Monthly Archives: July, 2011

الدولة العثمانية وآل سعود ومحمد بن عبد الوهاب حقيقة الصراع ؟

الدولة العثمانية وآل سعود ومحمد بن عبد الوهاب حقيقة الصراع ؟

بسم الله الرحمن الرحيم 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : الحقيقة كنت اتصفح كتاب  الدكتور – (الإخواني القطبي  التكفيري المذهب ، ليكون شهد شاهد من أهلها) — ” علي محمد الصلابي ” الدولة العثمانية فوجدت حقائق تاريخية عن الدولة العثمانية وال سعود وكذالك الشيخ محمد بن عبد الوهاب اليكم : 
حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وصراعها مع الدولة العثمانية:
M:
ولد الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد التميمي سنة 1115هـ/1703م في بلدة العيينة الواقعة شمال الرياض بينها وبين الرياض مسيرة سبعين كيلومتراً، أو مايقارب ذلك من جهة الغرب([1]).
ونشأ على حب العلم، فطلبه منذ صغره وظهر منه نبوغاً وتميزاً، فحفظ القرآن الكريم ودرس الفقه الحنبلي والتفسير والحديث، وتتلمذ على كتب ابن تيمية في الفقه والعقائد والرأي وأعجب بها أيما إعجاب وتأثر بكتب ابن القيم ، وابن عروة الحنبلي وغيرهم من فحول هذا المنهل السلفي
ورحل في طلب العلم الى مكة، والمدينة، والبصرة، والأحساء. وتعرض لفتن
عديدة عندما جاهر بآرائه في العراق ثم رجع بعد ذلك الى نجد.
وعندما رجع الى حريملاء ببلاد نجد بدأ دعوته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاشتغال بالعلم والتعليم، والدعوة الى عقيدة التوحيد الصافية، وحذر من الشرك ومخاطره وأنواعه وأشكاله وتعرض لمحاولة اغتيال من بعض السفهاء في حريملاء وانتقل بعد ذلك الى بلدته العيينة وتلقاه أميرها بالترحيب وشجعه على أمر الدعوة، فأقام الشرع ونفذ الحدود، وهدم القباب، ولم يستمر في حريملاء طويلاً بسبب ضغط أمير الاحساء على أمير حريملاء لقتل الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، فخرج ماشياً على الأقدام الى الدرعية.
تحالفه مع محمد بن سعود:
استطاع محمد بن عبدالوهاب أن يتحالف مع الأمير محمد بن سعود الذي قام بماله ورجاله من أجل دعوة التوحيد وكان هذا التحالف على اسس متينة واستطاع الشيخ أن يواصل دعوته للناس بالتعليم والرسائل والوعظ واستمر على هذا الحال يعلم الناس ويكتب الرسائل ويدبجها بالحجج والبراهين والأدلة على صحة دعواه، يدعو الى إزالة المنكر وهدم قباب القبور ، وسد ذرائع الشرك، وتحقيق العبودية لله وحده([1]) وظلت الدعوة مسالمة متأنية تطرق القلوب برفق وأناه، وتدعوا الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، واستمر يعلم من يحضر دروسه ويوضح عقيدته، ويشرح مبادئ دعوته للقاصي والداني ، ولكنه رأى أن اللين يقابل بالشدة، وأن الصدق يقابل بالكذب، والموعظة الحسنة يرد عليها بالمؤامرات فلم يكن بد من دخول مرحلة الجهاد وتغيير المنكر بالقوة.
إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً
فما حيلة المضطر إلا ركوبها
وبدأ الشيخ يعاونه الأمير محمد بن سعود بإعداد العدة من الرجال والسلاح للخروج بجموع المجاهدين من الدرعية الى خارج حدودها لنشر الدعوة وتثبيت أركانها في الجزيرة وخارجها، وكان الشيخ يشرف بنفسه على إعداد الرجال، وتجهيز الجيوش وبعث السرايا، ويستمر مع ذلك على الدرس والتدريس، ومكاتبة الناس، واستقبال 
الضيوف، وتوديع الوفود فقد جمع الله له العلم والجاه، والعزة والتمكين بعد جهاد طويل([1]) وقد كان له نظر سياسي ثاقب، وخبرة واسعة في أمور الحرب والسياسة([2]).
واستمرت الحروب بين أنصار الدعوة وأعدائها سنين عديدة، وكان النصر حليف أصحاب الدعوة في أغلب المواقف وكانت القرى تسقط واحدة تلو الاخرى وفي عام 1178هـ/1773م فتحت الرياض بقيادة الامير عبدالعزيز ابن محمد بن سعود ، وفر منها حاكمها السابق دهام بن دواس، وكان حاكماً ظالماً غشوماً، اعتدى على الدعاة مراراً، ونقض العهود التي أبرمها مع القائمين على الدعوة وبعد فتح الرياض اتسعت رقعة الأرض التي تخضع للدعوة ، ودخل كثير من الناس في الدعوة مختارين، فقد أزيلت العوائق التي كانت تصدهم عنها، وانفرجت الامور بعد ضيق، وجاء اليسر بعد العسر، وكثرت الأموال، وهدأت الأحوال، وأمن الناس في ظل الدولة 
الاسلامية الفتية، التي حرم الناس من نعمة الأمن مدة غيابها([1]).
وبعد وفاة الشيخ محمد عبدالوهاب واصلت الدعوة مسيرها وساندها آل سعود بقوة السلطان وتحولوا إلى الحجاز، التي كان يسيطر عليها الشريف غالب بن مساعد والذي شرع في شن هجمات على السعوديين، دينياً وعسكرياً. ودام الصراع بينهما حتى عام 1803م حين دخل السعوديون مكة من غير أن يتعرضوا لأية مقاومة من جانب الشريف غالب، الذي آثر الهروب إلى جدة وبعد عامين ضم السعوديون المدينة المنورة([2]). 
وامتد نفوذ الحركة السلفية على معظم الجزيرة العربية وشعرت بريطانيا بخطورة هذا النفوذ على مصالحها. لقد أصبحت الدولة السعودية الأولى يمتد نفوذها على الخليج العربي والبحر الأحمر، ودخل القواسم في الخليج العربي تحت نفوذها ووصل نفوذها إلى جنوب العراق وأصبحت تأثر على الطريق البري بين أوربا والشرق، وفوق هذا وذاك فإن الأسس الدينية التي ترتكز عليها هذه الدولة قد قطع على 
بريطانيا إمكانية تطويعها أو عقد الاتفاقيات معها حيث كان العداء للنفوذ الأجنبي في المنطقة من أهم أهداف هذه الدولة([1])، لقد استطاع القواسم ومن خلفهم القوة السعودية من توجيه ضربات موجعة لأسطول الأنجليز في عام 1806م وأصبحت مياه الخليج تحت سيطرتهم([2]) لقد بلغت الدولة في زمن سعود بن عبدالعزيز الأوج من الناحية السياسية إذ وصلت كربلاء في العراق، وإلى حوران في بلاد الشام، وخضعت لها الجزيرة كاملة باستثناء اليمن([3]). 
سابعاً: المؤامرة ضد حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب:
فكر شياطين الإنس من أبناء أوربا في النتائج التي يصلون إليها لو استمرت الدولة السعودية الأولى ورأوا أن ذلك يقضي على مصالحهم في الشرق عموماً ولذلك لابد من تدمير هذه الدولة، فسلكوا مسالك شتى للقضاء على نفوذ الدعوة السلفية منها: 
أولاً: تأليب الرأي العام داخل ديار الإسلام ضد دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب 
فقام الذين اعتقدوا بالبدع والخرافات على أنها من دين الإسلام بالتصدي لدعوة الشيخ ومقاومتها، وليست هذه المقاومة من جهة واحدة أو من طرف معين بل من كل الجهات ومن كل الأطراف، أتت من قبل المشايخ الذين يتمسكون بالنفوذ الذي يعطيهم إياه العامة وأهل الجهالة، ويبغون المحافظة على ماهم عليه من البدع والخرافات ظانين أنها من الدين، أتت من سدنة القبور، أتت من المستفيدين من صناديق النذور، أتت من الذين يعيشيون على الأطعمة والأموال التي تقدم لهم في موالد الأموات والزيارات، وأتت أيضاً من الذين يعتقدون أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب قد أتى بدين جديد يخالف ما اعتادوا عليه، وأولئك كانوا منتشرين بأنحاء الدولة العثمانية كلها بل وفي العالم الإسلامي أجمع، حدث كل ذلك بعد أن شاع الإنجليز والفرنسيون وأعداء الإسلام الفتاوى التي استصدروها من علماء السوء بفساد مايدعو إليه اتباع محمد بن عبدالوهاب([1]). 
ثانياً: الدس والوقيعة بين حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وقيادة الدولة العثمانية لقد ألقى الإنجليز والفرنسيون وغيرهم في روع السلطان محمود الثاني أن حركة 
الشيخ محمد بن عبدالوهاب، تهدف إلى الاستقلال بجزيرة العرب، والانفصال عن الخلافة العثمانية، ثم توحيد العالم العربي، وانتزاع لواء الخلافة والقيادة من الدولة العثمانية، وإقامة خلافة عربية، واستجاب السلطان محمود الثاني لوشايات الأعداء وما كان له أن يفعل ذلك وكان اللائق به أن يشك في هذا النصح الكاذب ويرسل من أمناء الدولة من يتحقق في الأمر ولم ينتبه سلطان المسلمين إلى خطورة تصديق هذا الخبر المدسوس على حركة إسلامية صادقة وتجاوب مع اقتراحات الأعداء بوجوب القضاء عليها قبل أن يستفحل أمرها، وتكلف الدولة الكثير من الأموال والرجال للقضاء عليها([1]). 
وضعت الدولة العثمانية خطتها لمحاربة الدولة السعودية الأولى ورأت أن تلقي عبء هذه المهمة على كاهل الولاة في الأقطاء المجاورة، هادفة بذلك إلى غرضين: الأول القضاء على التوسع السعودي في المشرق العربي، والآخر: إضعاف هؤلاء الولاة واستنزاف مواردهم حتى يظلوا ضعافاً خاضعين للدولة خضوعاً تاماً، فاتجهت أول الأمر إلى والي بغداد، إذ كان أقرب الولاة إلى نجد، إلا أن ذلك الوالي كان 
مشغولاً بالارتباكات المحلية في ولايته، وكان جيشه من الضعف بحيث لايقوى على مجابهة السعوديين، وفشل عدة مرات في صد هجماتهم على حدود العراق، فاتجهت الدولة إلى والي الشام لعله ينجح فيما فشل فيه والي والعراق، فكان نصيبه من الفشل أفدح من زميله ولما يئست الدولة من قدرة ولاتها في بغداد والشام([1]) ولت وجهها شطر مصر فطلبت من واليها محمد علي عام 1807م أن يقوم بحملة على بلاد العرب “لتصفية الحرمين الشريفين واستخلاصهما” من أيدي السعوديين، واسترداد سلطة الدولة المشرفة على الزوال في جزيرة العرب. ولكن محمد علي لم يلب طلب الدولة إلا في عام 1811م بعد تخلصه من بكوات المماليك في مذبحة القلعة([2]). 
إن اتباع الدعوة السلفية لم يطلبوا الخلافة ولم يبدوا اعتراضهم على التبعية لها، ولكن الخلاف قد انحصر في أمرين أساسيين، الأول هو مطالبة السلفيين بضرورة التزام وفود الحجيج بمنهج الإسلام والإقلاع عن كل مافيه خروج عليه، والأمر الثاني هو شعور الدولة العثمانية بالحرج والضعف أمام سيطرة الوهابيين على المدن 
المقدسة في الحجاز حيث أدركوا أن في ذلك إسقاطاً لهيبتهم ومكانتهم السياسية([1]). 
وقد بين الجبرتي أن موقف الوهابيين من وفود حجيج الشام ” بألا يأتوا إلا على الشرط الذي اشترطوه عليهم وهو ” أن يأتي بدون المحمل وما يصحبهم من الطبل والزمر والأسلحة وكل ما كان مخالفاً للشرع. فلما سمعوا ذلك رجعوا من غير حج ولم يتركوا مناكيرهم “([2]) كما ذكر موقفاً مماثلاً من موكب الحج المصري([3]). 
واقتصر مرسوم السلطان العثماني القاضي بطلب الحرب مع السعوديين من محمد علي، وبدافع من رسائل شريف جدة وكذلك بوحي وتشجيع من الإنجليز، على ” استخلاص الحرمين والوصية بالرعية والتجار “([4])، وتكرر نفس الطلب بعد ذلك مجدداً الاقتصار على تخليص الحرمين الشريفين. وفي أعقاب نجاح القوات العسكرية في الاستيلاء على بلاد الحجاز، بعد أن هزمت وأخفقت عدة مرات 
أمام أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب أرسل السلطان محمود الثاني مرسوماً إلى مصر يقرأ في المساجد باستعادته للحرمين الشريفين([1])، وهو أمر يوحي بأن السلطان العثماني ليس له هدف آخر سوى عودة الحجاز للسيادة العثمانية. 
كان من الممكن أن تنتهي هذه الحرب إلى هذا الحد فقد سيطرت قوات محمد علي على مدن الحجاز، وعين محمد علي شريفاً جديداً على منطقة الحجاز التي اضطر للسفر إليها وقام بطرد الشريف غالب الذي ساند قواته وساعدها على دخول الحجاز([2])، كما أن قادة الدعوة السلفية السعوديين قد عرضوا عليه الصلح، ولكن محمد علي وضع شروطاً صعبة التحقيق لقبول الصلح وكذلك ضمن رده على طلب الصلح تهديداً يرويه الجبرتي فيقول: (وأما الصلح فلا نأباه بشروط وهو أن يدفع لنا كل ماصرفناه على العساكر من أول ابتداء الحرب الى وقت تاريخه، وان يأتي بكل ماأخذه واستلمه من الجواهر والذخائر التي كانت بالحجرة الشريفة ، وكذلك ثمن مااستهلك منها وأن يأتي بعد ذلك ويتلاقى معي وأتعاهد معه ويتم صلحنا بعد ذلك وإن 
أبى ذلك ولم يأت … فنحن ذاهبون إليه)([1]).
ثامناً: حقيقة حملة محمد علي على الحجاز ونجد:
إن الحرب بين محمد علي وأتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم تكن بين قوات يدين طرفاها بالاسلام، كما لم تكن حرباً عربية عربية كما يحاول البعض أن يصفها، بل إن هذه الحرب كانت بين قوة اسلامية ليست لها أية أطماع سياسة ولكنها أبدت غيرة وحرصاً على العودة الى المبادئ الاساسية للدين الاسلامي وهي القوة السعودية، كما أظهرت حماساً في دفع خطر المستعمرين (الكفار) عن الديار الاسلامية، أما القوة التي حاربتها والمرسلة من قبل والي مصر -والتي لم تكن مصرية بأي صورة من الصور؛ فأغلبها من الأرناؤوط وبعض الأتراك والنصارى وبعض الضباط الفرنسيين([2])، ولا يحمل أغلب قادتها من الاسلام سوى الاسم، ويصور لنا المؤرخ الجبرتي طبيعة هذه القوة من خلال تعليق من وصفه بالصلاح والورع، وهو شاهد عيان ، على هزيمة هذه القوات في البداية أمام أتباع الدعوة السلفية فيقول: (أين لنا النصروأكثر عساكرنا على غير الملة! وفيهم من لايتدين بدين، ولا ينتحل مذهبنا، وصحبتنا صناديق المسكرات ولايسمع في عرضينا آذان ولاتقام به فريضة، لايخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين. والقوم (يقصد الوهابيون) إذا دخل الوقت أذن المؤذنون وينتظمون صفوفاً خلف أمام واحد بخشوع وخضوع، وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائم، أذن المؤذن وصلوا صلاة الخوف فتتقدم طائفة الحرب وتتأخر الأخرى للصلاة وعسكرنا يتعجبون من ذلك لأنهم لم يسمعوا به فضلاً عن رؤيته. وينادون في معسكرهم هلموا الى حرب المشركين، المحلقين الذقون المستبيحين الزنا واللواط الشاربين الخمور، وكشفوا عن كثير من قتلى العسكر فوجدوهم غلفاً غير مختونين، ولما وصلوا بدراً واستولوا عليها وعلى القرى والخيوف وبها خيار الناس وبها أهل العلم الصلحاء نهبوهم وأخذوا نساؤهم وبناتهم وأولادهم وكتبهم)([1]).
إن محمد علي لم يكن متقيداً بشرع الله في حربه بل كان مخالفاً للشرع متعدياً على حدود الله تعالى غير مبالي بأحكام الاسلام فهذا جيشه يقتل ويدمر ويأخذ الأموالويهتك الأعراض من هم المسلمين الموحدين.
فهذا علي t في موقعة الجمل يقول لأصحابه: (لاتتبعوا مدبراً، ولا تجهزوا على جريح، ومن ألقي سلاحه فهو آمن)([1]).
وقال : (..وإياكم والنساء وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراكم وإن الرجل ليتناول المرأة بالجريدة أو الهراوة فيعيّر بها هو وعقبه من بعده…)([2]).
وعن أبي أمامة الباهلي t قال: ( شهدت صفين وكانوا لايجهزون على جريح، ولايقتلون موليّاً، ولايسلبون قتيلاً … “([3]). 
إن السلطان العثماني كان يكفيه خضوع الحجاز لحكمه ومهاجمة الدرعية لم تكن مطلباً ملحاً أو ضرورياً للدولة العثمانية، وكان محمد علي متشدداً في شروط الصلح مما يدل على حرصه على استمرار الحرب، لأن هدفه من هذه الحرب خدمة أطماعه التوسعية في إطار ما تسمح به أهداف السياسة البريطانية في المنطقة، بعد أنأصبحت الدولة السعودية تشكل خطراً بالغاً على الوجود البريطاني في المنطقة بأسرها سواء في البحر الأحمر أم في الخليج العربي أم في وصولها إلى الطريق البري عبر العراق، وأصبحت بريطانيا تحس بتهديد حقيقي لمصالحها في الشرق، ولهذا فإن وصف هذه الحملة بأنها حملة صليبية في ثوب إسلامي يعد وصفاً حقيقياً([1]). 
عندما انهزم طوسون بن محمد علي أمام الأمير عبدالله بن سعود وتحطم نصف جيشه، خرج محمد علي بنفسه إلى الحجاز عام 1813م وقبض على شريف مكة ( غالب بن مساعد واتهمه بالتآمر مع السعوديين، وصادر كل مايملك من أموال وأثاث ومتاع، وبذلك أصبح شريف مكة من موظفي محمد علي في الحجاز. ولم يلبث أن انتصر محمد علي في يناير 1815م على القوات السعودية في موقعة بسل، وهي الموقعة التي يعتبرها البعض ” من أكبر وقائع الحرب الوهابية، بل من أهم المعارك في تاريخ مصر الحربي 
ولم يمكث محمد علي في الجزيرة العربية ليتابع النصر الذي أحرزه، بل عاد إلى مصر تاركاً ابنه طوسون بالحجاز([1])، وسرعان ماتمكن طوسون من هزيمة السعوديين هزيمة جديدة لأول مرة، وأسرع بالزحف على القسم الشمالي من نجد فبلغ في زحفه مدينة الرس، ثم احتل الشبية وأصبح الطريق إلى الدرعية مفتوحاً أمامه وأسرع الأمير عبدالله بطلب فتح باب المفاوضات حقناً للدماء وحماية للمدن والقرى، ودارت المفاوضات بين الطرفين على مشروع الصلح بالشروط التالية: 
1- إحتلال القوات المصرية الدرعية. 
2- أن يضع الأمير عبدالله نفسه تحت تصرف طوسون باشا، فيسافر إلى الجهة التي يريده أن يسافر إليها. 
3- أن يؤمن الأمير عبدالله سبل الحج، وأن يكون خاضعاً لحكم المدينة من قبل محمد علي إلى حين الموافقة على الصلح. 
4- ألا تصبح هذه الشروط – في حالة الاتفاق عليها – نافذة المفعول إلا بعد إقرارها من محمد علي. 
غير أن هذه القوات لم تقبل من جانب الأمير عبدالله، وقرر إرسال وفد إلى مصر للتفاوض مع محمد علي مباشرة حول شروط الصلح، إلا أن الوفد فشل في مسعاه بسبب تشدد الباشا. وتأهب السعوديون للحرب والقتال، فأرسل محمد علي حملة جديدة عام 1816م بقيادة ابنه إبراهيم باشا([1]). 
وزحف إبراهيم باشا بقواته من الحجاز صوب نجد، ونجح في الاستيلاء على مدن عنيزة وبريدة وشقراء، وإخضاع كل منطقة القصيم وابتع إبراهيم في زحفه سياسة الملاينة مع القبائل وهي سياسة كان من شأنها استمالة عدد كبير من أهل نجد، إذ كان يعقد دائماً المجالس ويمنح الهبات للناس، واتخذ في بداية الأمر اسلوباً استعطف به القبائل فمنع النهب والسلب، واستطاع بخبرائه العسكريين الفرنسيين أن يواصل زحفه حتى الدرعية التي ضرب الحصار عليها لمناعتها، وكان حصاراً طويلاً استمر من 6 إبريل إلى 9 سبتمبر 1818م، وانتهى باستسلام الأمير عبدالله بن سعود ودخول إبراهيم الدرعية، حيث أرسل من هناك الأمير السعودي في حراسة مشددة إلى 
مصر، ثم أرسل من القاهرة إلى استانبول([1])، لقد شهر بالأمير عبدالله في شوارع استانبول ثلاثة أيام كاملة ثم أمر بإعدامه شنقاً فرحمة الله على ذلك المظلوم([2]) وستظهر حقيقة مقتله يوم الأشهاد. إن الذي دعا إلى الصلح صلح أهل الجزيرة من خلال رسالة وجهها الشيخ أحمد الحنبلي إلى طوسون لقد بينوا أنهم يعترفون بإمارة السلطان العثماني وأنهم لايخرجون عن دولة الخلافة فلما إذن كان الإصرار على توجيه القوات إلى جزيرة العرب؟ وهكذا أزهقت أرواح المسلمين بأيدي بعضهم البعض، نتيجية كيد الأعداء. لقد قام أهل الجزيرة بمساندة مسلمي مصر عندما احتلها الفرنسيون فلماذا هذا الاعتداء المتعمد؟ إن محمد علي استطاع بواسطة الزعماء الذين ينسبون إلى الإسلام أن يقنع كثير من عوام الناس بأنهم يفعلون ذلك امتثالاً لأمر خليفة رسول الله، الذي له عليهم حق السمع والطاعة وأن الهدف من ذلك منع جزيرة العرب من الانفصال عن جسد دولة الخلافة 
إن قضية الولاء والبراء كانت غائبة تماماً عن محمد علي، بدليل أنه أعطى ولاءه لأعداء الإسلام وسمح لهم بأن يقودوه ويقودوا الأمة معه إلى حتفها، وهذه نتيجة عملية لوصول تاجر دخان ظل غير معروف النسب إلى سدة الحكم في بلاد المسلمين([1]). 
لقد كانت سعادة بريطانيا كبيرة عندما علمت بسقوط الدرعية، عاصمة الدولة السعودية الأولى، في أيدي قوات إبراهيم باشا([2])، فقد كانت هي الدولة السلفية التي دعمت القواسم في جهادهم ضد بريطانيا في الخليج العربي، مما يعني تهديد المصالح البريطانية في الهند كما أسلفنا([3])، وهنا يجدر بنا أن نسأل، خاصة في تلك الأحداث التي عاشها العالم الإسلامي في تاريخه الحديث، لنقول: لو أن جيوش محمد علي وجيوش الدولة العثمانية تعاونت مع الدولة السعودية الأولى بدلاً أن تحاربها، لتقفا معاً في وجه الأطماع الأوروبية بشكل عام، وبريطانيا بوجه خاص، أنه لو تم ذلك لتغير وجه 
التاريخ، خاصة وأن الدولة السعودية دولة مسلمة أقامت دعائمها على المبدأ السلفي الصحيح، والعالم الإسلامي في تلك الفترة في أمس الحاجة إليها، وعلى أية حال فلقد أدركت بريطانيا مدى الاستفادة من هذه الظروف، فأسرعت بزف التهاني إلى إبراهيم باشا، من مبدأ الاحتواء في ضوء المصالح الذاتية لها، وبعثت بالكابتن جورج فورستر سادلير([1]) لتقديم التهنئة لإبراهيم باشا لاستيلائه على الدرعية، ولمحاولة إيجاد قاعدة يمكن من خلالها التنسيق بين قوات الباشا البرية، والقوات البريطانية البحرية للقيام بعمل حربي مشترك ضد القواسم، أتباع الدولة السعودية الأولى([2]). 
إن العلاقة بين بريطانيا ومحمد علي قديمة وفي بداية حكمه دخل في مفاوضات معهم استمرت أربعة أشهر أكد فيها محمد علي جديته ورغبته المخلصة في الارتباط بهم بل وطلب وضع نفسه تحت حمايتهم وهو مايؤكد تقرير فريزر الذي تولى التفاوض معه، الأمر الذي أدى – بعد اقتناعهم بذلك- الى تخليهم عن أصدقائهم من المماليك. وقد تضمن التقرير الذي أعده قائد الحملة فريزر الذي تفاوض مع رسل مع محمد علي والذي أرسله الى الجنرال مور في 16 اكتوبر سنة 1807م أهم جوانب هذه المفاوضات فقد جاء فيه : (أرجو أن تسمحوا لي بأن أبسط لكم ليكون … موضع نظركم فحوى محادثة جرت بين باشا مصر والميجر جنرال “شريروك” والكابتن “فيلوز” أثناء قيامهما بمهمتهما لدى سموه. ولدي مايجعلني أعتقد أن هذه المحادثة ، ومن اتصالات خاصة كثيرة اخرى كانت لي معه، بأنه جاد وصادق فيما يقترحه. لقد أبدى محمد علي باشا والي مصر رغبته في أن يضع نفسه تحت الحماية البريطانية، ووعدناه بإبلاغ مقترحاته الى الرؤساء في قيادة القوات البريطانية كي يقوم هؤلاء بإبلاغها الى الحكومة الإنجليزية للنظر فيها. ويتعهد محمد علي من جانبه بمنع الفرنسيين والأتراك أو أي جيش تابع لدولة أخرى من الدخول الى الاسكندرية من طريق البحر وبعد الاحتفاظ بالاسكندرية كصديق وحليف لبريطانيا العظمى ولكنه لامناص له من الانتظار أن تعاونه انجلترا بقواتها البحرية اذا وقع هجوم عليه من جهة البحر لأنه لايملك سفناً حربية. ويوافق محمد علي باشا في الوقت نفسه على تزويد كل السفن البريطانية التي تقف على بعد من الاسكندرية بما قد تحتاج إليه من ماء النيل عند إعطائها إشارة يصير الاتفاق عليها)([3]).
وقد علق القنصل الفرنسي دروفتي على مابلغه من معلومات حول الاتفاق بين محمد علي والانجليز الذي هو من نوع معاهدة بأن (مثل هذه المعاهدة عند إبرامها سوف تحقق الأغراض التي توخاها الانجليز من إرسال حملتهم على مصر إن لم يفق أثرها من هذه الناحية كل ما كان يتوقعه هؤلاء من إرسال هذه الحملة)([4]).
ولم يشأ الانجليز الإعلان عن كل مااحتوته بنود هذه الاتفاقية في أعقاب توقيعها وإخلائهم الاسكندرية وتسليمها الى باشا مصر حيث رأت بريطانيا ضرورة التريث في ذلك لما تحتويه من إعلان العداء الواضح للدولة العثمانية، لمساندتها لحاكم يريد الاستقلال عنها في وقت كانت الدبلوماسية الانجليزية لها مصالحها الكبرى مع دولة الخلافة والاستفادة منها ومن عميلها الجديد لبسط نفوذها على المنطقة إن أمكن([5]). . 


رد الشيخ صالح الفوازن – حفظه الله – على شبهة خارجية : الشيخ محمد بن عبد الوهاب و الدولة العثمانية

(الشيخ محمد بن عبد الوهاب و الدولة العثمانية
رد الشيخ صالح الفوازن – حفظه الله – على شبهة خارجية        

            رد الشيخ صالح الفوازن – حفظه الله – على شبهة خارجية (الشيخ محمد بن عبد الوهاب و الدولة العثمانية 


سئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله – عمن يستدل بفعل الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – مع الدولة العثمانية و أن فعله كان خروجاُ على الخلافة في ذلك الوقت
فأجاب – سلمه الله – بهذا الجواب القيم :تفريغ الفتوى :السؤال : أحسن الله إليكم صاحب الفضيلة يقول هذا السائل :يقول بعض الناس المعادين لدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – أن شيخ الإسلام و و الإمام محمد بن سعود خارجين عن حكم ولي الأمر الدولة العثمانية

و قد شفوا عصا الطاعة و هذا مخالف لإعتقاد أهل السنة و الجماعة ما رأيكم في هذه المقولة أثابكم الله ؟ 

الجواب : و هذا الذي يقول هذه المقالة هل هو ملتزم بالسمع و الطاعة ؟! 

أغلب اللي يقولون هالمقالة يرون الخروج على الأئمة الآن و لا يلتزمون و لايعترفون بولاية ولاة الأمور ، هذه ناحية .

و الناحية الثانية أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – و الإمام محمد بن سعود لم يخرجوا على ولي الأمر في وقتهم لأن الدولة العثمانية ليس لها سلطة على بلاد نجد و إنما كانت 

بلاد نجد بيد أمرائها ، كل بلدة من بلاد نجد عليها أمير مستقل بها يحكمها ، و إذا مات يخلفه أحد أبنائه أو أقاربه فليس للعثمانيين سلطة على بلاد نجد و لا يهتمون بهاالدولة العثمانية ما تهتم 

ببلاد نجد لأن ما فيها إنتاج في وقتها ولا يهتمون بها ، و إنما حاربوا الدولة السعودية ما هم لأنهم خرجوا عليهم حاربوهم خوفاً منهم ، حاربوا الدولة السعودية خوفاً منها لما عظم شأنها و 

ظهر أمرها خافوا منها فحاربوها خشية من أن الدولة السعودية تغزوهم في بلادهم هذا القصد و إلا هم ليس لهم سلطة على بلاد نجد و إنما كانت بلا نجد بيد أمرائها و حكامها جيلاً بعد جيل حتى 

جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – بالدعوة و ناصره محمد بن سعود فبسطوا سلطتهم على بلاد نجد كلها و على غيرها من بلاد الجزيرة مكنهم الله – سبحانه و تعالى – لأنهم 

قاموا بدعوة محمد – صلى الله عليه و سلم – و نشر الإسلام فدخلت الإمارات كلها التي كانت من قبل متوزعة في نجد دخلت تحت سلطة واحدة فحينئذ خشيتالدولة العثمانية أنهم يصلونهم في 

بلادهم في بلاد العراق و في بلاد الشام خشوا على أنفسهم و أيضاً عندهم خرافات و عندهم أضرحة فخشوا على ما هم عليه و عندهم تصوف و بدع فخشوا على ما هم عليه من هذه الأمور أن

دعوة الشيخ تغيرها فلذلك حاربوا الدولة السعودية ، نعم .

منقول من شبكة سحاب

! يقولون عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنه عميل بريطاني

يقولون عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنه عميل بريطاني
السلام عليكم 
بخصوص الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .. البعض يتهمونه أنه ما قام بحركته إلا لمساعدة آل سعود للاستيلاء على أراضي أكثر و الخروج عن الدولة العثمانية 
وأيضا يقولوا أنه عميل بريطاني جنده هينكز و هينز شيء من هذا القبيل في بغداد .. 
فنرجو التوضيح و جزاكم الله خيرا
الجواب : 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا
من عَرَف سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، وكان مُنصِفا لا يُمكن أن يقول ذلك القول .
والشيخ إمام مُجدِّد لِمَا اندرس مِن معالم التوحيد بشهادة الكثير من علماء الأمة ، سواء من الهند أو مِن مصر أو من الشام ، أو من غيرها من بلاد المسلمين .
يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله :
ترى في كتب التاريخ الحديث أن لفظ ( الوهابية ) يُطلق على أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب العالم السني الشهير – الآتي ذكره – المجدد للنهضة الدينية في نجد .
وأرادت [حكومة الآستانة] أن تشوه تلك الحركة الإصلاحية فأذاعت أنها عبارة عن إحداث مذهب جديد مبتدَع في الإسلام مخالف لمذاهب أهل السنة ، وأغرت أنصارها من العلماء الرسميين والمفتِين بالرد على هذا المذهب وتضليل أهله أو تكفيرهم !
وهم [ أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ] يُنكرون كل مذهب في الأصول غير مذهب السلف الصالح ، ويَتَّبِعُون في الفروع مذهب الإمام أحمد بن حنبل وأصحابه .
ولكن الدولة العثمانية والحكومة المصرية كانتا أقدر منهم على إقناع أكثر أهل بلادهما بأنهم يتبعون مذهبًا جديدًا !
ثم قال الشيخ :
نظرة في أقوال الناس في الوهابية :
لا يزال كثير من مسلمي الحجاز ومصر وسورية والآستانة والأناضول والرومللي يظنون أن لأهل نجد مذهبًا مخالفًا لمذاهب أهل السنة ؛ لأن بعض الذين كتبوا عنهم قالوا : إنهم يُكفِّرون غيرهم من المسلمين ، ويقولون في النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ما يعد إهانةً ، وإنهم عند الاستيلاء على المدينة المنورة أخذوا الكوكب الدري من الحجرة النبوية مع غيره من الجواهر والذخائر ، وإنهم ربطوا الخيل في المسجد الشريف ، وهم لا يُحقِّقُون هذه الـتُّهم ، ولا ما يَصِح أن يُعَدّ منها كفرًا وما لا يُعَدّ ، وهي تُهَم خصوم سياسيين ، والسياسة تستحل الكذب والبهتان والتحريف وكل منكر يوصلها إلى غايتها ! ثم إنهم يغفلون عما في قوانين حكومتهم من المخالفة لأصول الدين وفروعه القطعية المجمع عليها ، المعلومة من الدين بالضرورة التي يكفر جاحدها باتفاق مذاهبهم ، كإباحة الزنا والربا والقتل لأسباب عسكرية وسياسية مخالفة للشرع ، وعن قول علمائهم : إن الرضا بالكفر كفر ، وعمّا يسمعون من الأقوال ويرون من الأفعال التي يَعدّها فقهاؤهم كفرًا أو فسقًا يكفر مستحله ، ولا يقولون : لعل ما يقال عن أهل نجد – إن صَحّ – يكون من جهل بعض أفرادهم لا من مذهبهم ، كما أن ما في بلادنا من أحكام القوانين وأعمال الكثير من الفُسَّاق والمرتدين هو من جهل بعض الناس بالدِّين أو ترك الاهتداء ، وليس عملاً بمذهب أبي حنيفة الذي هو مذهب الحكومة وأكثر الولايات التركية ، ولا بمذهبي مالك والشافعي اللذين ينتمي إليهما أكثر أهل هذه الولايات العربية . 
إلى أن قال الشيخ رحمه الله : 
وحكومة نجد لا تحكم إلا بِفِقْه الإمام أحمد ، فلا يوجد فيها قوانين غيره ، ولا أحد هنالك يعمل أو يحكم بقول للشيخ محمد بن عبد الوهاب قاله باجتهاده ، ولا يوجد أحد في تلك البلاد يُجاهِر بمعصية من المعاصي الكبائر .
ثم ذَكَر الشيخ مُتعصِّبة المذاهب ، فقال : 
وإنما أرادوا أن يَسْلِبوا أهل نجد مثل هذا الدفاع عن أنفسهم فسلبوهم اسم الحنابلة 
وسَمَّوهم (الوهابية) ، وإلا فليأتوا بمسألة واحدة مما عليه جمهور أهل نجد لا أصل لها في الكتاب والسنة ولا في كتب مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، كما يأتيهم هؤلاء بكثير من المسائل المخلة بعقيدة الإسلام وأحكامه التعبدية والقضائية الفاشية في بلادهم مما ليس له أصل في الكتاب والسنة ولا كلام الأئمة .
وخَـم الشيخ رشيد رضا ذلك بِقوله : تلك حقيقة من يُسَمَّون الوهابية ، والمتدينة ونسبتهم إلى غيرهم من المنتمين إلى المذاهب المشهورة لخصناها مما قرأناه في كتبهم ، ومما وقفنا عليه بالروية والاختبار انتهى كلامه رحمه الله .
ولم يكن خُروج الإمام محمد بن عبد الوهاب وظهوره في نجد خُروجا على الدولة العثمانية ، وذلك مِن وُجوه :
الأول : أن نجد لم تَكن تُحكم مِن قِبَل الدولة العثمانية حين ظَهَرت فيها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، بل كانت تُحكم مِن قِبَل بعض القبائل ، وهي ليست سلطة شرعية ، بل ولا ولاية عامة ، فكلّ قرية لها أمير لا يَدين بالطاعة لأحد .
فقد كان في بلدة حريملاء أمير وفي ” العيينة ” أمير ، في ” الجبيلة ” أمير ، وفي ” الدرعية ” أمير .
ولم يَكن الْحُكم السائد هو الكِتاب والسنة ، بل كان هناك التحاكم إلى العادات وغيرها .
الثاني : أنها لو كانت كذلك فإن ما سَاد آنذاك في نجد بل وفي سائر الدول الإسلامية مِن شِرك وعِبادة للقبور وذبح ونذر لها وتعلّق بغير الله من الأشجار والأحجار ، وتحكيم القوانين ، – مما أشار إلى بعضه الشيخ رشيد رضا – يَجعل من يَخرج على الدولة العثمانية آنذاك ليس خارجيا ولا عميلا بل هو يَخرج عليها بِما دَلّ عليه قوله عليه الصلاة والسلام عند رؤية الكُفر البَواح .
قال عُبادة بن الصامت رضي الله عنه : دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه ، فكان فيما أخذ علينا أن بايَعنا على السمع والطاعة في مَنْشَطِنا ومَكرهنا ، وعُسرنا ويُسرنا ، وأثَرَةٍ علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تَرو كُفُراً بواحًا عندكم من الله فيه برهان . رواه البخاري ومسلم .
الثالث : أنه لو افتُرِض أن للدولة العثمانية سُلطة ، وكانت سُلطة شرعية وحصل ما حصل ، وخَرَج عليها من خَرَج ثم تغلّب على نواحيه أو على الدولة ، فإن سُلطته تكون سلطة شرعية إذا حَكَم الْحَأكم فيها بِما أنزل الله .
ألا ترى أن الدولة الأموية قامتْ على تغلّب عبد الملك بن مروان على ابن الزبير ومُحاربته له حتى استتبّ الأمر له ؟
وقد عَدّ المؤرِّخون حُكم ابن الزبير خِلافة .
قال ابن كثير رحمه الله : إمارة عبد الله بن الزبير ، وعند ابن حزم وطائفة أنه أمير المؤمنين آنذاك .
ثم قال : 
واستفحل أمْرُ ابن الزبير بالحجاز وما والاها ، وبايعه الناس بعد يزيد بيعة هناك ، واستناب على أهل المدينة أخاه عبيد الله بن الزبير … ثم بَعَث أهلُ البصرة إلى ابن الزبير … وبَعَث ابنُ الزبير إلى أهل الكوفة عبد الرحمن بن يزيد الأنصارى على الصلاة ، وإبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله على الْخَراج ، واسْتَوثَق له الْمِصْران جميعا ، وأرسل إلى أهل مصر فَبايعوه ، واستناب عليها عبد الرحمن بن جحدر ، وأطاعت له الجزيرة ، وبَعَث على البصرة الحارث بن عبد الله بن ربيعة ، وبَعَث إلى اليمن فبايعوه ، وإلى خراسان فبايعوه ، وإلى الضحاك بن قيس بالشام فبايع . اهـ .
فأنت ترى أن ولاية ابن الزبير لم تكن خروجا على الحجاج ، بل هي بيعة عامة ، وخلافة شملتْ الحجاز واليمن ومصر ، وأغلب بلاد الشام ، ومع ذلك فإن تَغَلُّب عبد الملك بن مروان على الْحُكم جَعَله خليفة .
وقد انعقد الإجماع على شرعية الدولة الأموية ، وأنها دولة إسلامية .
ولذلك يَعُدّ العلماء مِن وسائل ثبوت الولاية أن يتغلّب شخص على الْحُكم بالقوّة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : قال أئمة السلف مَن صار له قُدرة وسلطان يَفعل بهما مقصود الولاية فهو مِن أولى الأمر الذين أمَر الله بطاعتهم ما لم يأمروا بمعصية الله . اهـ . 
وقال الشيخ الشنقيطي رحمه الله : اعْلَم أن الإمامة تنعقد بأحد أمور – ثم ذَكَر منها – :
الرابع أن يتغلب على الناس بسيفه ويَنْزَع الخلافة بالقوة حتى يَستتب له الأمر وتَدين له الناس، لِمَا في الخروج عليه حينئذ من شقّ عصا المسلمين وإراقة دمائهم . قال بعض العلماء : ومن هذا القَبيل قيام عبد الملك بن مروان على عبد الله بن الزبير وقتله إياه في مكة على يد الحجاج بن يوسف ، فاستتب الأمر له . كما قاله ابن قدامة في المغني . اهـ .
ثم إن الشيخ رحمه الله لم يَقُم لِمساعدة أحد ولا لِنصرة شخص بعينه ، بل قام لِنصرة الدِّين ، ثم حُورِب وعُودي ، ثم سخّر الله له ويَسّر له الإمام محمد بن سعود رحمه الله فناصره بعد ذلك .
ومن عَرَف سيرة الشيخ وكان مُنصِفا لا يُمكنه أن يقول عنه عميلا ، وذلك لأمور :
الأول : أن الشيخ رحمه الله كان يرحل في طلب العلم ، فقد رَحَل إلى مكة ثم إلى المدينة ثم إلى العراق ، كل ذلك يطلب العِلْم ، وأراد أن يرحل إلى الشام إلاَّ أن نفقته لم تُساعده على الوصول إلى الشام .
الثاني : أن الشيخ رحمه الله كان يجتهد في إثبات التوحيد وتَثبيته ، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وهذه ليست أخلاق العملاء ، بل أخلاق العلماء ورثة الأنبياء .
الثالث : أن الشيخ رحمه الله قبل أن يتَّصِل بالإمام محمد بن سعود رحمه الله كان في حريملاء ثم خرج منها لَمَّا أوذي بسبب إنكار المنكرات ، وما كان عليه الناس مِن شركيات ، وما ألِفوه من مُخالفات .
فقد خَرَج إلى بلدة العيينة ، ثم خَرَج منها إلى الدرعية .
الرابع : أنه قام بهدم قُـبّة قُرب بلدة الجبيلة يُزعم أنها على قبر زيد بن الخطاب ، وعارضه أهل الجبيلة ، إلا أن وقوف أمير العيينة ” ابن معمّر ” إلى جانبه ساعده على هدم القبة وإنهاء مظهر مِن مظاهر الشرك .
والعملاء يُقيمون القبب ويبحثون عما يُلهي الناس ويشغلهم ، والعلماء يهدِمون القبب ، ويُعيدون الناس إلى دِينهم .
الخامس : أن اتِّصَال الإمام محمد بن عبد الوهاب بالإمام محمد بن سعود كان بعد استفحال أمر الشيخ رحمه الله وانتشار خبره وذكِره ، خاصة بعد أن هدم القبة ولم يحصل له شيء ، كما يعتقد أرباب القباب وعُبّاد القبور !
وقد دَخل الإمام محمد بن عبد الوهاب بلدة الدرعية سِرًّا ، وأقام عند أحد علمائها ، وهو محمد العريني ، فَخاف الشيخ العريني على نفسه من محمد بن سعود ، ثم علِمت زوجة الإمام محمد بن سعود – واسمها موضي – بِخبر الشيخ فرغّبت زوجها وحثَّتْه على مُناصرة الشيخ ، وأن في ذلك عزّ الدنيا والآخرة ، فقَبِل قول زوجته ، ونصَر الله الإمام محمد بن عبد الوهاب بالإمام محمد بن سعود ، وأعَزّ الإمام محمد بن سعود بِمُناصرته للإمام محمد بن عبد الوهاب .
فأنت ترى أن الإمام محمد بن عبد الوهاب لم يَكن بينه وبين أمير الدرعية الإمام محمد بن سعود أي علاقة أو اتِّصال قبل ذلك ، ومن هنا يُعلم بُطلان القول بأن الشيخ ” ما قام بحركته إلا لمساعدة آل سعود للاستيلاء على أراضي أكثر ” .
السادس : أن الواقع يُكذِّب ذلك ، فقد انعقد الاتفاق بين ابن سعود والشيخ على نُصرة دِين الله ، وعلى إقامة التوحيد ، وهذا ما كان ، وهو ما تمّ بالفعل .
وقد كانت جزيرة العرب تعُجّ بالشرك ، مِن عبادة للقبور وتبرّك بالأشجار والأحجار ، ودُعاء الجن ، إلى غير ذلك ، فَزال ذلك كله بفضل الله ثم بِدعوة الشيخ الإمام الْمُجدّد ومُناصرة الإمام محمد بن سعود له .
السابع : أن الشيخ رحمه الله لو كان عميلا لَمَا توالت الحملات المصرية المسعورة من قِبَل إبراهيم باشا ووالده محمد علي باشا وأحمد طوسون ومن لَفّ لفهّم ! لإطفاء نُور دَعوة الشيخ الذي أبْهَر خفافيش الظلام !
وكان ذلك بإيعاز من الاحتلال الفرنسي في بعض بلاد المسلمين !
لأنهم كانوا يخشون مِن قيام دعوة صحيحة تدعو إلى الإسلام الصحيح الخالي من كل شائبة شِرْك ؛ لأنهم يعلمون أن من شأن ذلك كَسْر صليبهم !
أخيرا :
سؤال يَطرح نفسه :
لِماذا لم نسمع مثل هذا الكلام في حقّ من هو أولى به ؟
لِماذا لا يُقال مثل هذا القول في حق من هَدَم الدولة العثمانية وأقام على أنقاضها دولة علمانية ؟!
وأعني به صنيعة الغَرب باتِّفاق ” كَمال أتاتورك ” !
وهو عميل بلا خِلاف !
وهو هادم الدولة العثمانية ، والذي أقام على أنقاضها دولة علمانية كافرة !
هذا يُزَعم أنه مُصلِح !
ومن أقام التوحيد ودعا إليه ، ونَصَر الدّين يُزعم أنه عَميل !
عَجَب لا ينقضي .. ودَهشة لا تنتهي !
ولكن الأمر كما قال البارودي :
وأقْتَل دَاء رُؤية العين ظالمـا *** يُسيء ويتلى فـي الْمَحَافل حَمْـده
وأصدق منه وأبلَغ قول من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم عن السنوات الخدّاعة : 
ستأتي على الناس سُنون خدَّاعة ، يُصَدّق فيها الكاذب ، ويُكَذَّب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويُخَوّن فيها الأمين . رواه الإمام أحمد وابن ماجه .
والله المستعان على ما يَصِفُون .
المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد

محمود بن سُبَكْتَكْين ….. أعظم سلاطين الإسلام !!


محمود بن سُبَكْتَكْين ….. أعظم سلاطين الإسلام !!
بقلم / محمود حافظ
هو السلطان العظيم التى وطأت خيله أماكن لم يطأها خيل المسلمين من قبل ورفع رايات الإسلام فى بلاد لم يدخلها الإسلام من قبل وكانت مساحة ما فتحه من البلاد تعادل مساحة الفتوحات فى عهد الفاروق عمر بن الخطاب – رضى الله عنه !!!!
يمين الدولة وأمين الملة ناصر الحق ونظام الدين وكهف الدولة أبو القاسم محمود بن سبكتكين محطم الصنم الأكبر وقاهر الهند والسلطان المجاهد العظيم .


كلها ألقاب خلعها عليه خليفة المسلمين القادر بالله رحمه الله , فمن كان محمود بن سبكتكين ؟؟

دعونا نسرد سيرته العطرة ومصادرى فى ذلك : –

1- كتاب الإنباء فى تاريخ الخلفاء – لابن العمرانى 
2- كتاب الهند فى ظل السيادة الإسلامية (دراسات تاريخية) – د/ أحمد محمد الجورانه
3- كتاب المسلمون فى الهند من الفتح العربى الى الاستعمار البريطانى – الترجمة العربية الكاملة لكتاب طبقات أكبرى – لنظام الدين أحمد بخشى الهروى
4- البداية والنهاية – لابن كثير
5- تاريخ ابن خلدون – لابن خلدون
6- بعض المصادر الموجودة على الإنترنت , أنقل منها مايوافق الدين والعقل وأترك مايخالف ذلك

نبدأ باسم الله وبه الثقة وعليه التكلان : –

فتح المسلمين للهند ظل حلم كبير يراود الخلفاء والسلاطين طيلة 4 قرون منذ عهد عمر بن الخطاب وأرسلت فى ذلك الحملات والجيوش لفتح تلك البلاد الشاسعة , وكانت أول الحملات الناجحة فى عهد الوليد بن عبد الملك على يد محمد بن القاسم الثقفى فتوغل فى شمال الهند وفتح مدينة “ديبل” وأقام بها مسجدا، وترك بها حامية من أربعة آلاف جندي، وأصبحت ديبل أول مدينة عربية في الهند .


ثم توالت الحملات ولكن لم تكن فى مثل قوة الحملات الأولى أيام الأمويين فضعف وجود المسلمون فى الهند وظل المسلمين عهد الدولة العباسية محافظين على ما فتحوه، وتوسعوا قليلا في ضم أجزاء أخرى إلى دولتهم، حتى سيطر المسلمون على المنطقة الواقعة بين كابل وكشمير والملتان, إلا أن يسّر الله فتح الشمال الهندى كله ومهد الطريق للفاتحين من بعده ولله الحمد والمنة على يد بطلنا وعظيمنا السلطان المجاهدمحمود بن سبكتكين .


نبذة عن حياته : –

أبوه هو “ناصر الدين سبكتكين” مؤسس الدولة الغزنوية . ولى غزنة – مدينة فى أفغانستان – سنة (366هـ= 976م) وكان يتمتع بهمة عالية وكفاءة نادرة، وطموح عظيم، فنجح في أن يبسط نفوذه على البلاد المجاورة، وشرع في غزو أطراف الهند، وسيطر على كثير من المعاقل والحصون هناك، حتى تمكن من تأسيس دولة كبيرة في جنوبي غرب آسيا , وتوفي سنة (387هـ=997م). وكان عادلا خيرًا حسن العهد محافظا على الوفاء كثير الجهاد.

وبعد وفاة أبيه انعقدت البيعة لابنه الأكبر “اسماعيل” وكان متصفا بسوء التدبير وأراد أن يحرم ميراث “محمود” من أبيه , ولما ولي إسماعيل بغزنة استضعفه الجند واستولوا عليه واشتدوا عليه في الطلب حتى أنفذ خزائن أبيه , فقام عليه الأمير محمود وتغلب عليه واستطاع أن يأخذ غزنة لنفسه وأعلن نفسه سلطانا على البلاد .

محمود بن سبكتكين سلطانا على البلاد:-

أقّره الخليفة العباسى سلطانا على ماتحته من البلاد خراسان والجبال والسند والهند وطبرستان , وعاد الى خراسان فدخل اليه البديع الهمذانى فأنشده :

تعـالى الله مـا شــاء وزاد الله إيمـانى
أأفريدون فى التـاج أم الإسكنـدر الثانى
أم الرجعة قـد عـادت الينا بسليمـان
أطلت شمس محمـود علـى أنجم سامان
وأضـحى آل بهرام عبيدا لابن خـاقان
إذا ماركـب الفيل لحـرب أو لميـدان
رأت عيناك سلطانا على منكب شيطـان
أمن واسطة الهنـد الى ساحـة جرجان
ومن حاشية السند الى اقصـى خراسان
على مفتتح العـمر وفى مقتبل الشـان
يمين الدولة العـقبى لبغداد وغمـدان
وما يقعد بالغـرب عـن طاعتك اثنان
إذا شئت ففى يُمـن وفى أمـن وإيمان

عندما تقلد محمود بن سبكتكين مقاليد السلطنة أظهر السنة وقمع الرافضة والمعتزلة ومشى فى الناس بسيرة عمر بن الخطاب , كان رحمه الله يعظم المشايخ ويقربهم ولا يستغنى عن مشورتهم

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :ولما كانت مملكة محمود بن سبكتكين من أحسن ممالك بني جنسه كان الإسلام والسنة في مملكته أعز فإنه غزا المشركين من أهل الهند ونشر من العدل ما لم ينشره مثله فكانت السنة في أيامه ظاهرة والبدع في أيامه مقموعة .- مجموع الفتاوى (4|22)


مجموعة من العملات فى عصر محمود بن سبكتكين

وأقام الخطبة للخليفة القادر بالله – رحمه الله – فى بغداد , فأرسل له الخليفة خلعة فاخرة جدا لم يرسل مثلها قط خليفة الى أى سلطان من قبل وخلع عليه الألقاب الكثيرة “ يمين الدولة وأمين الملة وناصر الحق ونظام الدين وكهف الدولة” , وبعد قليل سيضيف محمود بن سبكتكين الى نفسه لقب “قاهر الهند ومحطم الصنم الأكبر”

ولم يركن محمود بن سبكتكين الى الدعة والراحة , بل قام بالقضاء على الدولة البويهية الشيعية الخبيثة التى زادت من خطورتها قيام الدولة العبيدية الفاطمية فى مصر فأصبحت الخلافة الإسلامية بين فكى الأفعى , فقضى على دولتهم وطهر البلاد من نجسهم وخبثهم وفض ملكهم وأوهن كيدهم فلله الحمد والمنة . ثم قضى على الدولة السامانية بعدما دب الضعف فى أوصالها

وذكر ابن كثير رحمه الله :
“وفي سنة ثمان وأربعمائة استتاب القادر بالله الخليفة ,فقهاء المعتزلة فأظهروا الرجوع وتبرؤا من الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام ,وأخذت خطوطهم بذلك ,وأنهم متى خالفوا أحل فيهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم , وامتثل محمود بن سبكتكين أمر أمير المؤمنين في ذلك ,واستن بسنته في أعماله التي استخلفه عليها من بلاد خراسان وغيرها في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة وصلبهم وحبسهم , ونفاهم وأمر بلعنهم على المنابر , وأبعد جميع طوائف أهل البدع ونفاهم عن ديارهم وصار ذلك سنة في الإسلام .”

وعزل خطباء الشيعة وولي خطباء السنة , وكان حازما عادلا لا يجترأ أحد على إظهار المعصية فى دولته من خمر أو معازف أو أفكار المعتزلة والروافض . وكان يعظم العلماء ويكرمهم وقصدوه من أقطار البلاد وكان عادلاً في رعيته رفيقًا بهم محسنًا إليهم وكان كثير الغزو والجهاد وفتوحاته مشهورة‏.

وكان السلطان محمود بن سبكتكين نصيراً كبيراً للأدب و الفنون. و كان يعيش في عهده كثيراً من العلماء و الشعراء، منهم: ابوريحان البيروني و ابوالفتح البستي و العسجدي و البيهقي و الفرخي و المنوجهري و العنصري و الكسائي و الدقيقي و الغضائري وغيرهم ..

فتوحاته فى الهند :-

قاد محمود بن سبكتكين 16 حملة عسكرية لشمال الهند , فقضى على ملوكها واحدا تلو الآخر, فقاد حملة ضد الملك الهندى “جايبال jai pal” وذلك سنة 392هـ / 1001م وكان ذلك أكبر ملوك الهند على الإطلاق وأكبر عقبة فى وجه الدعوة الإسلامية , وقاد حملة ضد الملك انندبال سنة 398هـ / 1007م , وواجه الملك “ناكر كوت” سنة 400هـ / 1009م وألزمه بدفع الجزية , وواجه أيضا الملك “راجا ناندا” سنة 410هـ / 1019م وأدت تلك المعركة الى إنتشار واسع للإسلام فى منطقة كالنجار , وكان قد قضى على ملك الكجرات “بيدا” سنة 409هـ / 1018م


توغل محمود بن سبكتكين فى الهند

وكان ذلك بفضل الله أولا ثم بفضل سلاح الفرسان الذى أنشئه محمود بن سبكتكين الذى وصل عدده فى روايه بعض المؤرخين العرب والمستشرقين الى مائة ألف 100.000 فارس مسلحين بأحدث وأفضل الأسلحة , وسلاح الفيلة الذى كان السلاح الرئيسى فى معارك المسملين فى الهند وكان يهتم السلطان محمود بن سبكتكين بهذا السلاح جدا حتى أنه لربما يصالح بعض ملوك الهند مقابل عدد من الفيلة .

هدم الصنم الأكبر “معركة سومنات” :-

ظل السلطان محمود منتصرا فى معاركه ضد الهنود منتقلا من نصر الى نصر حتى كانت من أعظم معارك المسلمين وغرة المعارك الإسلامية هى معركة سومنات والتى مهدت الطريق للدعوة الإسلامية فى الهند ولدخول ملايين من الهنود الى الإسلام



فماذا عن تلك المعركة الخالدة فى تاريخ المسلمين :

كان كلما هدم السلطان محمود صنما قالت الهنود “إن هذه الأصنام والبلاد قد سخط عليها الإله ‘سومنات’ ولو أنه راض عنها لأهلك من قصدها بسوء”

فسأل السلطان محمود عن “سومنات” هذا ؟ , فقيل له : أنه أعظم أصنام الهنود ‏وكانوا يحجون إلى هذا الصنم ليلة خسوف القمر فتجتمع إليه عوالم لا تحصى‏.‏وتزعم الهنود أن الأرواح بعد المفارقة تجتمع إليه فيبثها فيمن شاء بناء على التناسخ , والمد والجزر عندهم هو عبادة البحر‏.‏وكانوا يقزبون إليه كل نفيس وذخائرهم كلها عنده‏.‏ويعطون سدنته الأموال الجليلة‏.‏وكان له أوقاف تزيد على عشرة آلاف ضيعة .

‏وكان يقوم عند الصنم من عباد البرهميين ألف رجل في كل يوم للعبادة وثلاثماثة لحلق رؤوس الزوار ولحاهم وثلاثمائة رجل وخمسماثة امرأة يغنون ويرقصون ولهم على ذلك الجرايات الوافرة‏ !!!

فعزم السلطان محمود على هدم الصنم …

وقاد جيوشه بنفسه ووصل الى سومنات فى منتصف ذى القعدة بعد عدة معارك ناجحة وواجه الهنود وانتصر عليهم وقتل فى هذه المعركة من الهنود 50.000 غير من ألقى بنفسه فى البحر ولله الحمد والمنة , ودعونا نسرد ماقاله ابن كثير عن تلك الوقعة :

قال ابن كثير رحمه الله في أحداث سنة سبع عشرة وأربعمائة : “وفيها ورد كتاب من محمود بن سبكتكين يذكر أنه دخل بلاد الهند أيضا , وأنه كسر الصنم الأعظم الذي لهم المسمى بسومنات , وقد كانوا يفدون إليه من كل فج عميق كما يفد الناس إلى الكعبة البيت الحرام وأعظم وينفقون عنده النفقات والأموال الكثيرة التي لا توصف ولا تعد , وكان عليه من الأوقاف عشرة آلاف قرية ومدينة مشهورة , وقد امتلأت خزائنه أموالا وعنده ألف رجل يخدمونه وثلثمائة رجل يحلقون رؤس حجيجه وثلاثمائة رجل يغنون ويرقصون على بابه لما يضرب على بابه الطبول والبوقات , وكان عنده من المجاورين ألوف يأكلون من أوقافه …


وقد كان البعيد من الهنود يتمنى لو بلغ هذا الصنم وكان يعوقه طول المفاوز وكثرة الموانع والآفات ثم استخار الله السلطان محمود لما بلغه خبر هذا الصنم وعباده وكثرة الهنود في طريقه والمفاوز المهلكة والأرض الخطرة في تجشم ذلك في جيشه , وأن يقطع تلك الأهوال إليه فندب جيشه لذلك ؛ فانتدب معه ثلاثون ألفا من المقاتلة ممن اختارهم لذلك سوى المتطوعة فسلمهم الله حتى انتهوا إلى بلد هذا الوثن , ونزلوا بساحة عباده ؛ فإذا هو بمكان بقدر المدينة العظيمة .

قال: فما كان بأسرع من أن ملكناه وقتلنا من أهله خمسين ألفا وقلعنا هذا الوثن وأوقدنا تحته النار .. !!!

السلطان العظيم يرفض الأموال والهدايا :-

وقد ذكر غير واحد أن الهنود بذلوا للسلطان محمود أموالا جزيلة ليترك لهم هذا الصنم الأعظم فأشار من أشار من الأمراء على السلطان محمود بأخذ الأموال وإبقاء هذا الصنم لهم .
فقال : حتى أستخير الله عز وجل , فلما أصبح قال:

” إني فكرت في الأمر الذي ذكر فرأيت أنه إذا نوديت يوم القيامة : أين محمود الذي كسر الصنم أحب إلى من أن يقال الذي ترك الصنم لأجل ما يناله من الدنيا “

الله أكبر , هذه والله هى الكرامة وهذا منتهى العبودية لله , فقد جعل فتوحاته كلها لله – نحسبه كذلك ولا نزكى على الله أحدا – ومن أجل إعلاء كلمة الله ..

ثم عزم فكسره رحمه الله فوجد عليه وفيه من الجواهر واللآلئ والذهب والجواهر النفيسة ما يزيد على ما بذلوه له بأضعاف مضاعفة , وكان فيه ‏وعنده خزانة فيها عدد كثير من الأصنام ذهبأ وفضة عليها معلقة بالجوهر منسوجة بالذهب تزيد قيمتها على عشرين ألف ألف دينار‏ أى عشرين مليونا !!!

سبحن الله , أراد أمراء الجيش أن يتركوا الصنم مقابل أموال جزيلة , وبعدما رأوا ما بداخل هذا الصنم من أموال حمدوا الله وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه “

وللمعلومة , حاول بعض الهندوس إقامة المعبد مرة أخرى ولكن لم يرض السلطان أورنجزيب عالمكير – قد سبق التكلم عنه – رحمه الله فهدمه عام 1706م , و أقامت الحكومة الهندية هذا المعبد مرة أخرى 1947 م وهو الى اليوم موجود !!


معبد سومنات الموجود الآن فى الهند – يقف فى تحد ساخر كأنه يقول ” ها قد عدت أيها السلطان !!

وفاة السلطان محمود بن سبكتكين : 

ظل السلطان محمود فى جهاد دائم لا يكل ولا يمل , حتى لازمه مرض فى البطن أواخر أيامه , وكان يزداد عليه يوم بعد يوم , وكان يتحامل على نفسه أمام الناس وكان لا يستطيع أن يكلم الناس إلا متكئا من شدة المرض , ومات رحمه الله فى غزنة يوم الخميس الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة 421هـ – وقبره بها مازال معروفا , وكانت مدة حكمه 35 سنة !!


وبلغت مساحة فتوحاته ما فتحه الفاروق عمر وبلغت رايته الجهادية أماكن لم تبلغها راية قط ولم تتل بها سورة ولا أية قط وأقام شعائر الإسلام في أقصى ربوع الأرض.

فرحمه الله رحمة واسعة , فكم يذكرنى هذا السلطان بالصحابى الجليل خالد بن الوليد الذى طلب الموت فى مظانه وما قدر إلا أن يموت على فراشه !!

وحقيقة ظل سيرة السلطان المجاهد محمود بن سبتكتكين يتداولها العامة والخاصة فى بلاد الأفغان وباكستان , حتى أن القوات المسلحة الباكستانية أطلقت اسم “الغزنوى” – نسبة لمحمود بن سبكتكين – على احد الصواريخ الباليستية قصيرة المدى


صاروخ باكستانى يحمل اسم “الغزنوى Ghaznavi “

تم بحمد الله

السلطان سليمان القانونى … أكبر ملوك الإسلام !!

بقلم / محمود حافظ

هو أكثر سلاطين المسلمين جهاداً وغزواً فى أوروبا , ووصلت جيوش المسلمين فى عهده الى قلب أوروبا عند أسوار فيينا مرتين !! , مجدد جهاد الأمة فى القرن العاشر , أقام السنّة وأحيى الملّة وقمع البدعة والروافض , صاحب انتصار المسلمين فى معركة موهاكس التى كانت من أيام الله الخالدة وتُعد غرة المعارك الإسلامية فى شرق أوروبا بعد معركة نيكوبوليس وفتح القسطنطينية , وهو أعظم سلاطين الدولة العثمانية وأكثرهم هيبة ورهبة فى قلوب النصارى وأشدهم خطرا عليهم , وكان من خيار ملوك الأرض !!

حكم المسلمين قرابة ثمانية وأربعين سنة وامتدت دولة الخلافة الاسلامية فى عهده فى ثلاث قارات وأصبحت القوة العظمى فى العالم بأسره بلا منازع وتمتلك أعتى الجيوش والأسلحة وصاحبة السيادة فى البحار والمحيطات !!

يقول المؤرخ الألماني هالمر ” كان هذا السلطان أشد خطرا علينا من صلاح الدين نفسه” !!!

ويقول المؤرخ الانجليزي هارولد ” إن يوم موته كان من أيام أعياد النصارى “!!!

فمن كان السلطان سليمان الأول “القانونى” !!! , دعونا نسرد سيرته ومصادرى فى ذلك : –

مصادر الدراسة :-

1. شذرات الذهب فى أخبار من ذهب , لابن العماد الحنبلى
2. أخبار الدول و آثار الأول في التاريخ , للقرماني
3. الضوء اللامع لأهل القرن التاسع , للسخاوى
4. نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار
5. الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة ,نجم الدين الغزّى
6. الدولة العثمانية , عوامل النهوض والسقوط , لعلى الصلابى
7. فى أصول التاريخ العثمانى , أحمد عبد الرحيم مصطفى
8. خير الدين بربروس والجهاد فى البحر , بسام العسيلى
9. الدولة العلية العثمانية , محمد فريد بك
10. تاريخ بلغراد الاسلامية , محمد موفاكو
11. تاريخ الشعوب الاسلامية , المستشرق كارل بروكلمان
12. العقد المنظوم فى ذكر أفاضل الروم , طاشكبرى زاده
13. منح رب البرية فى فتح رودس الأبية , عبد الرحيم العباسىّ
14. تاريخ بلجراد الإسلامية , محمود موفاكو
15. وغيرها من الكتب والمراجع حتى لا أطيل .. وبعض المصادر من الانترنت أنقل منها المعقول والمأثور

نبدأ باسم الله وبه الثقة وعليه التكلان :-

المولد والنشأة :-

هو عاشر سلاطين الدولة العثمانية وثانى خليفة للمسلمين فى الدولة العثمانية , وُلدالسلطان سليمان خان الأول بن السلطان سليم الأول عام 900هـ , كان طويل القامة حسن الوجه , وكان أبوه هو السلطان سليم الأول الذى ضم مصر والشام للدولة العثمانية , والذى تنازل له آخر خليفة عباسى فى القاهرة عن الخلافة وأرسل له مفاتيح الحرمين , وأصبح أول خليفة من الدولة العثمانية ولُقب بخادم الحرمين الشريفين .

وكان ميلاد السلطان سليمان الأول – رحمه الله – خير وبركة على الأمة الاسلامية واستبشر به المسلمون خيرا , وظل السلطان سليمان الأول – رحمه الله – فى كنف أبيه السلطان سليم يربيه ويرعاه ويدربه على أمور السياسة والحكم , فكان أميرا على بعض الولايات فى الأناضول أثناء خلافة أبيه وظل على ذلك الأمر حتى توفى أبيه السلطام سليم الأول عام 926هـ , وتولى الخلافة سليمان الأول ودخلت الدولة الإسلامية فى عهد جديد , عهد السلطان الفاتح الغازى المجاهد سليمان الأول ….. !!

السلطان سليمان الأول خليفة المسلمين :-

تولى السلطان سليمان الأول الخلافة وهو ابن 26 سنة !! , أول شيىء فعله السلطان سليمان – رحمه الله – أنه أقام السنّة وأعلى منارها وقمع البدعة وأهلها وقضى على الروافض وأحيى الملة ونشر العدل فى ربوع الدولة الاسلامية فاستبشر الناس خيرا بعهده , وكان السلطان سليمان يستفتح رسائله بقول الله تعالى (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) تيمنا بنبى الله سليمان – عليه السلام – حتى قال عنه المؤرخون انه ” سليمان زمانه ” لكثرة جنده ولعظيم هيبته ولنفاذ أمره فى ملـوك الأرض, ولإقامته للسنّة ولجهاده ضد النصارى , وقـال أحدهم شعرا حين تولى الخلافة :

قل للشياطين البغاة اخسأوا *** قد أوتى المُلك سليمانُ

واجمع المؤرخون من المسلمين وغيرهم ان ذروة مجد الدولة العثمانية وأعظم أيامها كان فى أيام السلطان سليمان القانونى , وأنه كان آخر سعد الدولة العثمانية , وكان رحمه الله روؤفا برعيته وترأف بحال الناس فأطلق سراح 600 مسجون من مأسورى مصر …

وردع الظالمين عن المظالم , وردع أهل الشرور والمفاسد , وأمن الناس فى أيامه وانتشر العدل فى سائر الأركان , واندثر الظلم , واجتهد رحمه الله فى أول جلوسه فى نفى الزنادقة والمبتدعين فى الدين .. !!

حتى قال الشاعر فى قصيدته العصماء التى ساوردها كلها فى نهاية الموضوع :-

مليكٌ يرى أن ليس فى الأرض مشتهى *** سوى منع دين الله مما يُغيّرُ

الله أكبر والعزة لله … افلح من كان هذا هدفه وتلك غايته !!!

وعمل السلطان سليمان تعديلات إدارية فى إدارة الدولة الاسلامية وشئون أفرادها من مختلف الديانات والجنسيات والأعراق والأقليات , فجلب السلطان سليمان العلماء الربانيين وجلس معهم ووضع قوانين إدارية مستمدة من الشريعة الإسلامية , وبالفعل كان من أهم أعمال السلطان سليمان الإدارية انه وضع قانون الدولة العثمانية المسمى ” قانون سليمان نامه” اى “قانون السلطان سليمان ” وكان الذى شاركه فى وضع تلك القوانين من القرآن والسنة هو العالم الجليل أبو السعود أفندى المفسر الكبير وصاحب التفسير العظيم ” إرشاد العقل السليم الى مزايا الكتاب الكريم” المشهور بـ “تفسير أبى السعود” …. 
.
فانظروا كيف كان حكام المسلمين يستعينون بالعلماء ولا يستغنون عن مشورتهم , وجعل السلطان سليمان منصب الفتوى أعلى المناصب قاطبةً بعد منصب الخلافة !!!

وبعد وضع تلك القوانين الإدارية التى تحكم الدولة الاسلامية , أخذ السلطان سليمانبتطبيقها بكل عدل ومساواة وبكل حزم , فكما قيل : الحزم سياج العدل !!

ومن هنا جاءت تسمية السلطان سليمان الأول بـ”القانونى” , ليس لأنه من وضع القوانين , بل لتطبيقه تلك القوانين بكل صرامة لا يفرق بين كبير او صغير ولا بين عامة وخاصة !!

الله أكبر .. وااااااااهٍ يا أيام العزة !!

منذ تولى السلطان سليمان القانونى الخلافة , لم يركن الى الدعة والراحة , بل لبس لأمة الحرب من أول يوم وظل مجاهدا الى آخر يوم فى عمره وما ترك الجهاد قط , ما كان ينزل من على صهوة جواده إلا ليمتطى جوادا آخر ليمضى مجاهدا فى سبيل الله ولإعلاء كلمة الله !!

ولا عجب من ان معظم الحديث عن السلطان سليمان القانونى سيكون عن جهاده , لأنه لا يوجد جانب أعظم ولا أروع فى سيرة السلطان سليمان إلا جهاده ضد المشركين فى أوروبا وفتوحاته المجيدة !!

جهاد السلطان سليمان القانونى :

استطاع السلطان سليمان القانونى ان يوسع رقعة الدولة الإسلامية فى ثلاث قارات حتى أصبحت دولة مترامية الأطراف , وكان سبيله فى تحقيق هذا الهدف هو سيفه ودرعه !!

لكم ان تعلموا ان المؤرخين ذكروا ان عدد ما افتتحه السلطان سليمان القانونى فى حياته من الحصون والقلاع والمدن ما يناهز 360 حصنا !!

وما علمنا ان من قادة المسلمين قديما وحديثا افتتح مثل هذا العدد !!

تعالوا نرى نبذا من جهاد السلطان سليمان القانونى وسأكتفى بالمحطات الرئيسية …

فتح بلجراد ( 25 رمضان 926هـ , 31 أغسطس 1521م)

عندما جلس السلطان سليمان القانونى على كرسى الخلافة , كان أول ما فعله هو إرسال رسالة الى ملوك أوروبا يُعلمهم بتوليه الخلافة ويأمرهم بدفع الجزية المقررة عليهم كما كانوا يفعلون فى عهد أبيه السلطان سليم الأول .

فما كان من ملك المجر إلا أن قتل رسول السلطان سليمان !!

فاستشاط السلطان سليمان غضبا وانفعل قائلا : أيُقتل سفير دولة الإسلام !!! .. أيهددنى ملك المجر !!

فما أصبح الصباح إلا وقد أعدّ السلطان سليمان جيشا جرار مدعوما بالسفن الحربية وكان السلطان سليمان بنفسه على رأس هذا الجيش وكان قاصدا مدينة بلجراد المنيعة والتى تُعد بوابة أوروبا الوسطى وحصن المسيحية كما كانوا يطلقون عليها !!

ولكم أن تعلموا ان محمد الفاتح رحمه الله حاول أن يفتح بلجراد ولكنه فشل , بل وأصيب إصابات خطيرة أثناء حصارها … ولما انصرف عنها قال : عسى ان يخرج الله من أحفادى من يفتح تلك المدينة على يديه !!

بلجراد كانت لها مكانة عظيمة فى قلوب النصارى وخصوصا بعد سقوط القسطنطينية وسمّوها (حصن المسيحية) !!

حصار محمد الفاتح لبلجراد 1456م

ويذكر المؤرخون ان السلطان سليمان عندما كان وليا للعهد كان يمنّى نفسه بفتح بلجراد التى عجز أجداده ( مراد الثانى , محمد الفاتح , بايزيد الثانى ) من فتحها !!

توجه السلطان سليمان القانونى على رأس جيش عرمرم مكوّن من كتائب الإنكشارية الذين ما ان يسمع النصارى فى أوروبا باسمهم يأخذ الرعب منهم كل مأخذ وترتعد فرائصهم ,ومزود بأعتى المدافع والأسلحة يمدهم 3 آلاف جمل محمل بالأسلحة و30 ألف جمل محمل بالمهمات وسفن تحمل الخيول و50 سفينة حربية و مئات من المدافع العملاقة الفتاكة التى كانت فخر الجيوش الإسلامية ..

وبالفعل يبدأ السلطان سليمان فى حصار قلعة بلجراد , وبعد شهرين ونصف من الحصار تسقط قلعة بلجراد فى 2 رمضان 927هـ , ثم دخل السلطان سليمان القانونى المدينة نفسها فاتحاً يوم 26 رمضان 927هـ … !!

وكان يوماً مشهودا , وأمر السلطان سليمان أن يرفع الآذان من القلعة , ويذكر صاحب كتاب “تاريخ بلجراد الاسلامية” نقلاً عن صاحب يوميات السلطان سليمان الى بلجراد ” بعون الله تعالى تم اليوم فتح قلعة بلغراد … وارتفع صوت المؤذن من القلعة” , ونزل خبر سقوط بلجراد على النصارى والبابا فى روما كالصاعقة وارتعدت فرائصهم من الرعب !!

وعلموا وقتها أنهم أمام سلطان من طراز فريد , وعلموا أنه سيعيد لهم سيرة بايزيد الأول ومحمد الفاتح , فوقعت هيبته فى قلوب ملوك أوروبا قاطبةً , وبعث اليه ملك روسيا والبندقية وسائر ملوك أوروبا يهنئونه بالفتح ويعطونه الجزية عن يدٍ وهم صاغرون !!

ومن يومها سمّى المسلمون بلجراد (دار الجهاد) وكان منها القاعدة الحربية لانطلاق جيوش المسلمين لغزو باقى أوروبا , واهتم المسلمون بالأوجه الحضارية فى بلجراد حتى سمّاها المؤرخون (أندلس البلقان) وكانت تنعم بأوجه الحضارة بينما كانت سائر بلاد أوروبا لا تعرف شيئا عن أوجه الحضارة ولا عن تخطيط الشوارع ورصفها وإنارتها ليلا !!

مَن مِن المسلمين الآن يعرف شيئاً عن بلجراد الاسلامية !!!

فقد ضاعت كما ضاعت الأندلس , فصدق من سمّاها (أندلس البلقان) فهى شبيهة الأندلس فى حدث إقامتها وحدث نهايتها !!

وظل السلطان سليمان القانونى فى بلجراد حتى عيد الفطر وأقام صلاة العيد فى أكبر كنائسها بعد تحويله الى مسجد ولم ينزل السلطان سليمان من جواده حتى امتطى جوادا آخر مجاهدا فى سبيل الله رافعا كلمة الله خفاقة …

فتح جزيرة رودس (13 صفر 929هـ , 1 يناير 1523م)

كانت جزيرة رودس هى الشوكة المنيعة التى فى حلق الدولة العثمانية , والتى تمتاز بمناعة وتحصين نادر جدا ورهيب , حتى ان سلاطين المسلمين فى صدر الدولة العثمانية ما استطاعوا فتحها ابدا كمحمد الفاتح !!

وكان يسكن جزيرة رودس نصارى الروم الصليبين المسمون (فرسان القديس يوحنا) الذين طُردوا من بلاد الشام بعد الحملات الصليبية , وكانوا تحت سلطة البابا فى روما , وكانوا على عصبية شديدة جدا ضد المسلمين , فكان طوال مكثهم يغيرون على سفن المسلمين المتجهة للحجاز يقتلون رجالهم ويأسرون أطفالهم ويهتكوا عرض نسائهم وينهبوا أموالهم ..


إحدى قلاع جزيرة رودس

ويقتلون الحجيج ويحرقون سفن المسلمين وكانوا يبغضون المسلمين جدا , ويستغلون حصونهم فى الجزيرة المنيعة , فكانوا على اطمأنان بأن المسلمين لن يستطيعوا ان يصلوا اليهم ..

نهب الصليبين فى رودس أحد السفن الإسلامية التى تُقلّ الحجيج والتجار المسلمين فقتلوهم وحرقوا سفنهم , وعلم السلطان سليمان القانونى بهذا الخبر , فاستشاط غضبا لله وأقسم أنه لن يركن للراحة حتى يفتح جزيرة رودس ويطرد الكفار الملاعين منها !!

وبالفعل أخذ السلطان سليمان استعداده لفتح جزيرة رودس براً وبحراً , واستغل انشغال ملوك أوروبا بالحروب بينهم , وانشغال بابا الفاتيكان بالتصدى لدعوة مارتن لوثر وقيام المذهب البروستانت , فأرسل حملة عسكرية بقيادة مصطفى باشا قوامها 200 ألف جندى مزودين بأعتى المدافع ومعهم 700 سفينة حربية وبدأ الهجوم على أسوار رودس إلا أنهم لم يصيبوا منها شيئا لمناعتها …

فغضب السلطان وسافر بنفسه ومعه كتائب من المجاهدين وتولى القيادة بنفسه أمام أسوار جزيرة رودس وحاصرها السلطان 6 شهر كاملة وضيّق عليها الخناق وكان طوال تلك المدة يواصل إطلاق المدافع , حتى بلغ عدد ما أطلقوه من المدافع 220 ألف مدفع !!

والمصادر التاريخية تذكر لنا حالة الطقس أثناء حصار المسلمين لردوس أنها كانت سيئة للغاية فالأمطار تتساطق على المجاهدين , والسماء تبرق والرعد يصمّ صوته الآذان , ومع ذلك لم يفت ذلك فى عضدهم …

فاستسلم فرسان القديس يوحنا , وأمهلهم السلطان مدة 12 يوما يخرجون من الجزيرة , وأعطاهم أمانا على كنائسهم ودينهم كان هذا ديدن السلطان فى فتح بلاد النصارى بأوروبا ..


إحدى قلاع جزيرة رودس

ودخل السلطان سليمان القانونى جزيرة رودس فاتحاً يوم 13 صفر عام 929هـ الموافق 1 يناير 1523م , وهنا اهتز عرش النصرانية فى روما والعالم النصرانى كله , وخرج فرسان القديس يوحنا منكسين روؤسهم من الذل والهوان متجهين الى جزيرة مالطا , فسكنوها وسموا أنفسهم فرسان مالطا …

ويحكى لنا المؤرخ عبد الرحيم العباسى الذى شارك فى هذه الحملة ان المسلمون وجدوا فى الجزيرة أكثر من 3 آلاف أسير فى حالة يُرثى لها من التعذيب والقهر والذل , ويقول بأن المجاهدين العثمانيين بكوا عندما رأوا حال الأسرى !!!

وعندما دخل السلطان سليمان المدينة أمر جنوده بتجهيز الكنيسة لصلاة الجمعة , فأُزيلت الصور والتماثيل وصُنع منبر خشبى بسيط لهذه الغاية , وبالفعل أُقيمت صلاة الجمعة وخُطب للسلطان وغص المسجد بالمصلين ولله الحمد والمنة …

دعونى أنقل لكم ما قاله ووصفه عبد الرحيم العباسى عند دخول المسلمين رودس بعد الحصار – وكان شاهدا هذا الفتح :-

يقول – رحمه الله – فى كتابه (منح رب البرية فى فتح رودس الأبية) :- ( اقراواها بتمعن )

( ثم برز الأمر الشريف بإرسال السَنْجق السنجق ” لواء الفتح عند العثمانيين” المنصور , واللواء الذى هو لطىِّ الكفار منشور , ليوضع على سور القلعة , بشامخ العزة والرفعة , فذهبوا به على نهاية التعظيم وغاية الإجلال والتكريم , والعساكر الإسلامية به محدقة , وعيون المسلمين اليه مُحَدَّقة , وعيون المشركين مطرقة , وأصوات الطبول والبوقات قد ملأت النواحى والجهات , والأصوات المرتفعة بالتهليل والتكبير , والصلوات والتسليم على سيدنا ومولانا محمد البشير النذير , والسراج المنير , وقلوب أعداء الله من ذلك فى أحرّ من نار السعير , ولم يزالوا به سائرين , وقد أصبحوا على أعداء الله ظاهرين , إلى أن وضعوه من الحصن بأعلى مكان , وأعلن المؤذنون للظهر بالآذان , وأجابهم من المسلمين الثقلان , أعنى الجن والبشر حتى الشجر والحجر والمدر , وكانت ساعة مشهودة , وفى مواسم الأيام معدودة , وليس الخبر كالعيان , ولا يقدر على تأدية وصف ذلك بديع بيان , ولما أُدخل السنجق الشريف دخل معه كثيرٌ من العساكر , وجمُ غفير من القبايل والعشائر , واتخذوه من أحب المواطن , واقتسموا منه المساكن , وذهب ما كان يضمره المشركون , فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون , وبرز الأمر الشريف بأخذ أسلحة الكفار , وإلباسهم شعار الذلة والصغار , فسُلِبوها بأسرها , وقُلِّها وكُثرِها , حتى أُخذت منهم السكاكين , وصاروا بعد العز المكين , الى ذل الخايف المستكين , وانتقل بعد بكاء العيون منهم الى ضحك الأفواه , وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله , ولم يسع طاغيتهم من ذلك إلا إظهار الطاعة …… ) أ.هـ

ومن عجيب المصادفات أن خلال هذه الأيام كان البابا أندريانوس الثاني يجري مراسم أعياد الميلاد في كنيسةسان بيترو في روما ، فتدحرجت حجارة سقطت من حافة سقف الكنيسة نحو قدميه ، فتشاءمالبابا ، وقال (سقطت رودس) !!

) , فكان هذا من عجيب الموافقات ..

ومما قيل فى هذا الفتح المجيد من الأشعار , أورد لكم جزأ بسيط من القصيدة :

قل لبنى الكفر مضت رودس *** فليخزأوا بالرغم وليخنَسوا

وليحزنوا حزن الثكول التى *** أصيب منها الأكرم الأنفسُ

كانت لهم حصنا فلم يُحرزوا *** بها من السوء ولم يُحرسوا

واتخذوها شركا للأذى *** دهرا فمن حل بها يبأسُ

يصحبه الأدهم فى رجله *** والغل فى الجيد له الملبسُ

وعينه تبيضّ من حزنه *** من أسود العيش الذى يمْسَسُ

ويقسمون الغُنم من ماله *** وهو من الخشية لا ينبُسُ

وكم وكم من محنٍ تعترى *** أحواله وهو بها مُبلَسُ

حتى أتاح الله سبحانه *** لفتحها مَن سِرُّهُ الأقدسُ

فجال فيها جوْلةٌ غُودرت *** بها مغانى كفرهم تَدرسُ

وأصبح الناقوس فى أوجها *** وهو بتوحيد الورى أخرسُ

وأطّد الإسلام راياته *** لما غدت راياتهم تنكسُ

وانتسخت آيات إنجيلهم *** بآى قرآنٍ غدا يُدرسُ

ومن يكن يضحكُ من غيَّه *** أضحى بما صار له يَعبسُ

وأورت الله مليك الورى *** ما كان منهم دايما يُبأسُ

وصار فتحا سائرا ذكره *** كالشمس لا يعدمها مجلسُ

والنّظم قد رتب تاريخه *** بجيدها قد سُلّمت رودسُ

دام مليك العصر مستظهرا *** والكفر فى قاع الردى يُركسُ


محمد بن القاسم … فاتح بلاد السند !!

محمد بن القاسم … فاتح بلاد السند !!
بقلم / محمود حافظ

بقايا مسجد محمد بن القاسم ب(الرور) بباكستان !!

إن فى تاريخ هذه الأمة من القدوات فى شتى المجالات ما ليس فى أمة من أمم الأرض منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها !! ومن ضمن هذه المجالات … الجهاد فى سبيل الله وبذل الروح والنفس لإعلاء كلمة الله .. فظهر فى هذه الأمة من القادة والفاتحين مالا يوجد فى أمة من الأمم من لدن آدم الى قيام الساعة !!! 

لو استطعنا حصر اسماء القادة والفاتحين فى تاريخ الإسلام , ماستطعنا الى ذلك سبيلا !! .. وكانت أعظم عصور الجهاد فى تاريخ المسلمين هى العصور المتقدمة لا سيما فى صدر الدولة الأموية !!

وظهر فى عهد الدولة الأموية قادة وفاتحين وعظماء ومن ضمن اولئك القادة مسلمة بن عبد الملك وقتيبة بن مسلم وموسى بن نصير وطارق بن زياد وغيرهم الكثير !! 

وكان من أعظم اولئك القادة هو صاحبنا البطل القائد الفاتح الغلام الشاب محمد بن القاسم رحمه الله !! .. الذى طرق بخيلة أبواب الهند وقضى على ملوكها ودخل فى عهده الآلاف من الهنود فى الإسلام !! 

فمن كان محمد بن القاسم وما قصته !! .. هذا ما سنعرفه الآن , ومصادرى فى ذلك هى : 

مصادر الدراسة : 
· البداية والنهاية لابن كثير – طبعة المكتبة التوفيقية بمصر تحقيق عماد زكى البارودى وخيرى سعيد
· الكامل فى التاريخ لابن الأثير – طبعة دار الكتب العلمية بيروت 1987 تحقيق أبى الفداء عبد الله القاضى
· الدولة الأموية : عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار للدكتور على الصلابى – طبعة دار المعرفة بيروت 2005
· قادة فتح السند وأفغانستان للواء الركن محمود شيت خطاب – طبعة دار الأندلس الخضراء بجدة 1998
· الإعلام بمن فى تاريخ الهند من الأعلام لعبد الحى الحسنى “رحمه الله ” – طبعة دار ابن حزم 1999
· بلاد الهند فى العصر الإسلامى منذ فجر الإسلام حتى الغزو التيمورى لعصام الدين عبد الرؤوف الفقى طبعة دار عالم الكتب 1980
نبدأ باسم الله وبه الثقة وعليه التكلان :
ظلّ فتح الهند حلم يراود المسلمين من العصور الأولى وفى زمن الخلفاء الراشدين وبدأ التوجه لبلاد السند (باكستان حاليا) منذ زمان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضى الله عنه .. وكان انتصار المسلمين فى معركة القادسية فى عهد عمر بن الخطاب إيذانا لهم بفتح السند , فقد استنجد كسرى الفرس ببعض ملوك البلاد المجاورة ومنها مملكة السند, حيث أمده ملك السند بالمال والرجال, الأمر الذى اضطر المسلمين بمهاجمة السند ردا على تدخلهم ضدهم فى معركة القادسية, ولذلك فإن البلاذرى يحدثنا عن حملات إسلامية مبكرة على السند كان أولها فى عهد عمر بن الخطاب, وكان ثانيها فى عهد على بن أبى طالب, كما نفهم من رواية البلاذرى أن عثمان بن عفان كان ايضا مهتما بتقصى تحركات السند(1) , ولكن كانت أكبر الحملات التى وُجهت الى الهند وأعظمهما على الإطلاق هى تلك الحملات التى قادها القائد الفذ محمد بن القاسم فى زمان الدولة الأموية !!
وقبل البدأ فى سرد أحداث حملات محمد بن القاسم وبسط سيرته العطرة , كان من الواجب ان نذكر حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن عساكر فى (تاريخه) (52/248) عن ثوبان مرفوعا ” عصابتان من أمتى أجارهما الله من النار , عصابة تغزو الهند وعصابة تكون مع عيسى بن مريم ” – صححه الألبانى(2) فنرجو بذلك الحديث ان يكون محمد بن القاسموجيشه داخلاً فى هذا الحديث , ونسأل الله لهم الفردوس الأعلى وأن يلحقنا بهم على أحسن حال ….
ولادته ونشاته :
هو محمد بن القاسم بن محمد بن الحَكَم بن أبى عقيل بن مسعود بن عامر بن مُعَتِّب الثقفى(3), وُلد محمد بن القاسم الثقفى عام 72هـ (4), وكان أبوه القاسم بن محمد واليا على البصرة للحجاج بن يوسف , فنشأ محمد منذ نعومة أظفاره بين الأمراء والقادة : أبوه أمير , وابن عم أبيه الحجّاج أمير العراقيين(5), وظهرت علامات النبوغ والقيادة على محمد بن القاسم منذ صغره وهو مازال فتى صغيرا وكان محط أنظار ابن عمّ أبيه الحجّاج بن يوسف الثقفى – وكان بمثابة عمّه – كما سيأتى بيانه ان شاء الله …

مازالت سيرة محمد بن القاسم تُطبع وتباع فى باكستان والهند !!!

بدأ فتوح الهند :

كانت بلاد السند هى بوابة مملكة الهند ومفتاح شبه القارة الهندية , وكانت وقتها الدولة الإسلامية فى ريعان شبابها وكانت تمتلك أعتى الجيوش وكانت الفتوحات الإسلامية تتوسع شرقا وغربا وشمالا وجنوبا , وكان خليفة المسلمين وقتها هو الوليد بن عبد الملك – رحمه الله , وكان والى العراق والمشرق هو الحجّاج بن يوسف الثقفى .. وكانت الدولة الإسلامية حينئذ هى أقوى الدول فى العالم ويخطب ودّها كافة الممالك المجاورة كالدولة البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية وكممالك الهند والسند وكان أعظم ملوكها وأقواهم بأساّ هو الملك (داهر) بن صصَّة والملك (دوهر) وكانت هناك ممالك الصين !!
وكانت الدولة الأموية هى أكثر الدول الإسلامية جهادها وأعظمها غزواً وأجلّها فتوحاً , وفى هذا المقام نذكر ما قاله ابن كثير عن تلك الدولة الأموية المجيدة(6) : ” فكانت سوق الجهاد قائمة فى بنى أمية ليس لهم شغل إلا ذلك, قد علت كلمة الإسلام فى مشارق الأرض ومغاربها وبرها وبحرها, وقد أذلوا الكفر وأهله , وامتلأت قلوب المشركين من المسلمين رعبا, لا يتوجه المسلمون الى قطر من الأقطار إلا أخذوه , وكان فى عساكرهم وجيوشهم فى الغزو الصالحون والأولياء والعلماء من كبار التابعين, فى كل جيش منهم شرذمة عظيمة ينصر الله بهم دينه, فقتيبة بن مسلم يفتح فى بلاد الترك, يقتل ويسبى ويغنم, حتى وصل الى تخوم الصين…., ومسلمة بن عبد الملك بن مروان وابن أمير المؤمنين الوليد وأخوه الآخر يفتحون فى بلاد الروم ويجاهدون بعساكر الشام حتى وصلوا الى القسطنطينية, وبنى بها مسلمة جامعا يُعبد الله فيه , وامتلأت قلوب الفرنج منهم رعبا , ومحمد بن القاسم ابن أخى الحجاج يجاهد فى بلاد الهند ويفتح مدنها فى طائفة من جيش العراق وغيرهم , وموسى بن نصير يجاهد فى بلاد المغرب ويفتح مدنها فى طائفة وأقاليمها فى جيوش الديار المصرية وغيرهم. وكل هذه النواحى إنما دخل أهلها فى الإسلام وتركوا عبادة الأوثان ” أ.هـ , ولم تتوجه الجيوش الإسلامية الى السند بشكل مباشر حتى كانت الحادثة التى غيرت مجرى التاريخ بعد ذلك ودخل الإسلام على إثرها بلاد السند وبدأ التوغل الى الهند .. وهى الحادثة التى حدثت فى عهد الحجاج بن يوسف !!

المسلمون فى عهد الدولة الأموية … واااااااااااهٍ يا أيام العزة !!
يذكر البلاذرى – فى فتوح البلدان – ان البوارج الهندية قد استولت على سفينة كانت تحمل نساء مسلمات أرسلهنّ ملك جزيرة الياقوت(7) هدية الى الحجّاج بن يوسف , فنادت امرأة من تلك النسوة وكانت من يَرْبوع : يا حجّاج! وبلغ الحجّاج ذلك فقال : يا لبيك , فأرسل الى داهر يسأله تخلية النسوة , فقال : أخذهن لصوص لا أقدر عليهم(8).. فأنف الحجاج وأخذته حمية وغيرة وأرسل الجيوش لفتح الهند … واااااااااااااااااااهٍ يا أيام العزة !!
كانت استغاثات النساء فى زمان العزة تكفى لأن تتحرك من أجلهنّ الجيش العرمرم , كانت استغاثة المرأة هى التى حركت جيوش المسلمين للهند , وكانت استغاثة المرأة الهاشمية فى زمان المعتصم – غفر الله له – هى التى حركّت 920.000 جندى – كما فى رواية ابن خلدون – لفتح عمّورية أقدس بقاع النصارى , وكانت صرخة ثلاث نسوة مأسورات بالكنيسة هى التى حركت المنصور بن أبى عامر بالأندلس الى جنوب فرنسا وأقسم أنه لن يرجع من أرض النصارى حتى يكتسح الكنيسة !!
رب وامعتصماه انطلقت *** ملء أفواه الصبايا اليتم
لامست أسماعهم لكنها *** لم تلامس نخوة المعتصم
هنالك تبدّى للحجاج مدى الإهانة التى تلحق بهيبة المسلمين وخطورتها إن هو سكت على هذا الأمر(9), وبدأ الحجاج بن يوسف يجهّز جيوش المسلمين التى ستغزو بلاد الهند , وجهّزالحجاج ستة آلاف مجاهد بكامل عدتهم وعتادهم وجهّزهم بكل ما يحتاجون اليه , حتى الخيوط الإبر والمال(10), وبلغ أما أنفقه الحجاج بن يوسف على تلك الحملة ستون ألف ألف درهم(11) !! , وهنا بدأ الحجّاج ينظر فيمن يوليّه على هذا الجيش الذاهب الى منطقة خطيرة ووعرة !!

أول مسجد فى شبه القارة الهندية بناه محمد بن القاسم بمدينة الديْبل (كراتشى) حاليا بباكستان
فوقع عينه على ابن اخيه القائد الشاب محمد بن القاسم .. ولا نتعجب من إختيار الحجاج بن يوسف لمحمد بن القاسم لقيادة الجيوش .. ولكن نتعجب لمّا نعلم أن عُمْر محمد بن القاسم وقتها كان 17 سنة فقط !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
سبعة عشر عاما .. أى كان شاب فى عمر الزهور .. فى عمر شاب فى الثانوية العامة الآن !! , وفيه يقول حمزة الحنفى(12)
إن المروءة والسماحة والندى *** لمحمد بن القاسم بن محمدِ
ساسَ الجيوش لسبعَ عشرَ حجةً *** يا قُرْبَ ذلك سؤدداً من مولدِ
يالله .. أى فتى كان محمد بن القاسم !!
سبعة عشر عاما ويقود جيوش المسلمين لفتح أكبر الممالك فى ذلك الوقت ويُقاتل أكبر ملوك الهند فى ذلك الوقت !!
فهلمّ بنا نرصد تحركات محمد بن القاسم وفتوحه وبلائه فى جبهة الهند :
أمر الحجاج بن يوسف الأمير الشاب محمد بن القاسم ان يُقيم بشيراز حتى يكمل حشد رجاله ويوافيه ما أعدّ له(13), ثم مضى محمد بن القاسم الى مُكران(14) فأقام بها أياما ثم مضى نحو مدينة (فنزبور) (15), ففتحها وهزم جيوش الملك داهر ,ثم أتى مدينة (أرمائيل) وهى من المدن الكبرى بين مكران وبين أعظم مدن السند (الديْبل) فاستطاع ان يفتحها وضمّها الى باقى البلاد التى فتحها منذ أن وطأت خيله أرض السند .. !!

بقايا قلعة داهر بإقليم السند !!
ثم واصل محمد بن القاسم فتوحه ومسيره حتى وصل الى مدينة الديْبل أعظم وأهم مدن السند وأهمها , فقدمها يوم جمعة ووافته سفن كان حمل فيها الرجال والسلاح والأداة , فخندق حين نزل الديْبل وأنزل الناس منازلهم ونصب منجنيقا يُقال له العروس كان يمد به خمسمائة رجل(16), وهنا تتجلى عبقرية محمد بن القاسم العسكرية ودهاءه العجيب .. لما حاصر محمد بن القاسم تلك المدينة (الديْبل) (17) طال حصاره , وكان بها معبد كبير للهنادكة ومنصوب على هذا المعبد سارية عظيمة مربوط بها راية حمراء وكان الهنود يعظمون هذا المعبد وتلك الراية , فأمر محمد بن القاسم جنوده المدربين أن يقذفوا هذه الراية ويسقوطها بالمنجنيق .. فرمى المعبد بحجر المنجنيق (العروس) فكسره فتشائم الكفار لذلك وانحطت معنوياتهم بذلك , وظل محمدا محاصرا الديْبل حتى خرج اليه الهنود وحماة البلد ولكنه هزمهم حتى ردهم الى البلد, ثم أمر بالسلالم فنصبت وصعد عليها الرجال, وكان أول صعودا رجلا من بنى مراد من أهل الكوفة , ففتحت المدينة عنوة فاستباحها محمد ثلاثة أيام , ولكنّ عامل “داهر” ملك السند عليها هرب عنها سالماً(18), واستولى المسلمون على الديْبل وأقام بها محمد بن القاسممسجداً , وترك بها حامية تتكون من أربعة آلاف جندى , وأصبحت الديْبل أول مدينة عربية فى الهند(19) … وكان هذا المسجد الذى بناه محمد بن القاسم هو أول مسجد بُنى فى هذا المنطقة(20)!!

أول مسجد فى شبه القارة الهندية بناه محمد بن القاسم بمدينة الديْبل (كراتشى) حاليا بباكستان
ونزل الخبر على “داهر” كالصاعقة , على أن “داهر” لم يستسلم للهزيمة, بل عول على مقاومة الزحف الإسلامى , فاتجه الى الداخل , وأعد العدة لاستئناف القتال فى موضع يقع شرق مصب نهر السند ظنا منه أن النهر يعرقل عبور المسلمين له(21) ….
مقتل الملك “داهر” ملك السند ….
ثم أتى محمدٌ (البيرون) (22) فصالحه أهلها , وجعل محمد لا يمر بمدينة إلا وفتحها وهزم جيوشها , ثم سار الى نهر (مِهران) فزل فى وسطه, وبلغ خبره “داهر“, فاستعد لمجابهته(23), وعبر محمد بن القاسم النهر مما يلى بلاد الملك “راسل” ملك مدينة (القَصّة =كَجْ) وهى من بلاد الهند , وهناك لقى محمد بن القاسم قوات الملك “داهر” أعظم ملوكهم وكان يمتطى فيله وحوله الفيلة والخيول والجيوش العظيمة , وبدأت معركة عنيفة وشرسة واقتتلوا قتالا شديدا لم يُسمع بمثله(24) واستخدم الهنود الفيلة والنبال والنفط واستمر القتال حتى المساء وترجل “داهر” وظل يُقاتل حتى قُتل ولله الحمد والمنة , وانهزم أصحابه وقتلهم المسلمون كيف شاءوا(25), وكان الذى قتله – أى “داهر” – القاسم بن ثعلبة بن عبد الله الطائى(26), فقال– رحمه الله – فى هذه المناسبة يفتخر بقتله للملك “داهر”(27):
الخيلُ تشهد يوم داهَرَ والقَنا *** ومحمدُ بن القاسم بن محمدِ
أنّى فَرَجْتُ الجمع غير مُعرِّدِ *** حتى علوتُ عظيمهم بمُهنَّدِ
فتركتُه تحت العَجاج مُجندلاً *** متعفّر الخدّين غير موسّدِ
وكان هذا الإنتصار من أعظم إنتصارات محمد بن القاسم , وتخلص بذلك من أكبر ملوك السند وهو “داهر” , ثم واصل محمد بن القاسم فتوحاته , فلا يمرّ على بلد إلا فتحها وأذل ملوكها , وأذعنت له الممالك وذلت له جنود الهند ولم تكن هناك قوة أمامه إلا قوة الملك “دوهر” ملك “الكيرج” .. فأتى المدينة العتيقة (برهمناباد) وكان فيها فلول جيش “داهر” , فقاتلوه , ففتحها محمد عنوة , وقتل بها ثمانية آلاف , وقيل : ستة وعشرين ألفا , وخلّف فيها عامله(28).. الله أكبر والعزة لله …

نموذج لمنجنيق استخدمه المسلمون فى فتوح السند أيام محمد بن القاسم !!
ثم واصل محمد تقدمه حتى وصل الى مدينة (المُلْتَان) أعظم مدن السند الأعلى وأقوى حصونه ,فامتنعت عليه شهورا وقاتله أهلها, فانهمزموا(29), وكان بتلك المدينة معبدا من أكبر معابك الهنود فى هذا المنطقة , وكانت تُهدى اليه الأموال وتُنذر له النذور وويحجون اليه وكان به صنم كبير يزعم الهنود أنه أيوب – عليه الصلاة والسلام – وكان الهنود يطوفون به ويلحقون روؤسهم ولحاهم عنده , وكان فى هذا المعبد قناطير مقطنرة من الذهب والفضة , ثم جاء رجل من أهل المدينة مستأمن فدلّ محمد بن القاسم على مكان الماء الذى يشرب منه أهل “الملتان” فقطع الماء عنهم , فاشتد عليهم الأمر حتى نلزوا على حكمه , فقتل محمد المقاتلة وسبى الذرية , ثم سبى سدنة المعبد وهم ستة آلاف , وأصاب محمد مالاً كثيرا جمعه فى بيت طوله عشرة أذرع وعرضه ثمانية أذرع يُلقى اليه من كوة فى وسطه , فسميت (الملتان): فرج – ثغر – بيت الذهب(30)….
كان إستيلاء العرب على الملتان أهمية كبيرة, نظرا لأهميتها الكبيرة عند الهنود من الناحية الدينية, إذ يوجد به المعابد الكبيرة يحج إليها الهنود من كل حدب وصوب, ويهدون الأموال الى الصنم المقام هناك, وينذرون له النذور, ويطوفون به ويحلقون روؤسهم ولحاهم عنده, وبسقوط الملتان فى ايدى العرب اصبح وادى السند بأكمله فى حوزتهم(31)… !!
ولقد أنجز محمد بن القاسم هذا الفتح فى المدة بين سنة 89هـ الى سنة 94هـ , وازداد إعجاب الحجاج بن يوسف بابن أخيه محمد بن القاسم وازدادت مكانة محمد بن القاسم فى نفوس المسلمين ..
وعظمت فتوحات محمد بن القاسم وكثرت الغنائم جدا , حتى أن الحجاج بن يوسف نظر فى النفقة على ذلك الثغر – السند – فكانت ستين ألف ألف درهم !! , ونظر فى الذى حُمل فكان مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف فقال : شفينا غيظنا , وأدركنا ثأرنا , ازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس (داهر(32).. الله أكبر والعزة لله !!

أول مسجد فى شبه القارة الهندية بناه محمد بن القاسم بمدينة الديْبل (كراتشى) حاليا بباكستان
وفى عام 95هـ هلك الحجاج بن يوسف الثقفى والى العراق وخراسان وسجستان , وكان محمد بن القاسم وقتها فى الملتان , فعاد الى (الرور) , ثم وجه جيشا الى مدينة (البيْلمان) ففتحوها صلحا , وواصل محمد بن القاسم فتوحاته وولّى وجهه شطر مملكة (الكيرج)(33) وهى من اكبر مدن السند وكان ملكها “دوهر” من أقوى الملوك بعد “داهر” وله جيش قوى , فأتى محمد بن القاسم “الكيرج” ونازل أهلها وقاتل “دَوْهَر” وحدثت معركة عنيفة قُتل فيها “دوهر” وانتصر المسلمون فى هذه المعركة إنتصارا ساحقاً , وبذلك استطاع محمد بن القاسم ان يقضى على أكبر ملكين فى إقليم السند , وفى هذا يقول الشاعر(34):
نحن قتلنا داهرا ودوهراَ *** والخيل تردى مِنْسَراً فمَنْسَرا
وظلّ محمد بن القاسم يتقدم من نصرٍ الى نصر , وكان يستعد لفتح مملكة (قَنوج) أعظم إمارات الهند , وكانت تمتد من السند الى (البنغال), وكان قد أوفد بعثة من رجاله الى ملكها تدعوه الى الإسلام او الجزية, فردّ الملك الوفد ردّا غير كريم , فأخذ محمد يعد العدّة لفتحها وجهز جيشا فيه عشرة آلاف من الفرسان(35), وبينما كان يتهيأ لهذا الفتح العظيم إذ جاءه خبر وفاة الخليفة الوليد بن عبد الملك وتولى أخوه سليمان بن عبد الملك الخلافة ..!!!
نهاية محمد بن القاسم :
كانت وفاة الوليد بن عبد الملك 96هـ وتولى سليمان بن عبد الملك خليفة المسلمين هى نهاية محمد بن القاسم الثقفى رحمه الله , وذلك بسبب البغض الذى كان يكنّه سليمان بن عبد الملك للحجاج بن يوسف الثقفى وأهل بيته وكل عمّاله على الأقاليم والثغور …
لأن الوليد بن عبد الملك فى آخر أيامه أراد أن ينزع أخاه سليمان بن عبد الملك من ولاية العهد ويعطيها لابنه عبد العزيز بن الوليد .. فبايع الحجاج بن يوسف الوليد فى خلع سليمان !! ..

بقايا مسجد محمد بن القاسم بمدينة (الرور) !!
فلما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة بدأ يغيّر ولاة الحجاج , وأعطى العراق لرجلا كان من ألدّ أعداء الحجاج وهو صالح بن عبد الرحمن , وكان الحجاج قد قتل أخوه سابقا , فقررصالح بن عبد الرحمن أن ينتقم من أقرب الناس الى الحجاج وهو محمد بن القاسم, فعزله عن السند وولى رجلا من صُنّاعه وهو يزيد بن أبى كبشة, وأمره بالقبض على محمد(36)…. وبدأت المآساة !!
أخذ يزيد بن كبشة السكسكى أمير السند الجديد محمد بن القاسم وقيّده وحمله الى العراق , فقال محمد بن القاسم متمثلاً(37) :
أضاعونى وأىّ فتى أضاعوا *** ليوم كريهة وسداد ثغرِ
وهنا بكى أهل السند على محمد بن القاسم , فقد كان قائدا يحكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , ولحسن معاملته لهم وتأمينهم على أموالهم وأنفسهم وإطلاق حرية العبادة لهم(38), ورحب الهنود بحكم المسلمين لهم لأنهم قاسوا كثيرا من ظلم وجور الهندوس , وتجلى ذلك فى إقبالهم على محمد بن القاسم يدقون الأجراس ويقرعون الطبول ويرقصون رقصاتهم الشعبية(39). !!
فلما وصل محمد بن القاسم الى العراق , حبسه صالح بن عبد الرحمن بـ(واسط) , فقال محمد رحمه الله (40) :
فلئن ثَويتُ بواسطْ وبأرضها *** رهن الحديد مكبلاً مغلولا
فلرُبّ قَينةَ فارسٍ قد رَعَتْها *** ولربَّ قَرنٍ قد تركتُ قتيلا
وقال أيضا :
ولو كنت أجمعَتُ الفِرارَ لوطئتُ *** إناثٌ اُعدّت للوَغَى وذكورُ
وما دخلتْ خيلُ السكاسِكِ أرضنا *** ولا كان من (عَك)(41) علىّ أميرُ
ولا كنت للعبد (المزونى)(42) تابعاً *** فيالك دهرٌ بالكرامِ عثورُ
وكان محمد بن القاسم يهتف فى أعماق سجنه وفى ظلماته :
أتنسى بنور مروان سمعى وطاعتى *** وإنى على ما فاتنى لصبور
فتحت لهم ما بين (سابور) بالقنا *** الى (الهند) منهم زاحف ومغير
فتحت لهم ما بين (جُرجان) بالقنا *** الى الصين القى مرة وأُغير
فعذبه صالح بن عبد الرحمن حتى قتله , ويُقال بأن صالح بن عبد الرحمن عذّب محمدا فمات من العذاب(43).. عام 96هـ رحمه الله !!
مات القائد الفاتح الشاب الذى لم يتجاوز عمره سبعة عشر عاما حين قاد جيوش المسلمين لفتح بلاد الهند , الذى قال فيه يزيد بن الأعجم :
ساس الجيوش لسبع عشر حجة *** ولداته عن ذاك فى أشغالِ
فغدت بهم أهواؤهم وسمت به *** همم الملوك وسورة الأبطالِ
وما أجمل أن نختم بكلمات اللواء الركن محمود شيت خطاب – رحمه الله – (44):
” مات محمد بن القاسم بالتعذيب, أو قُتل بعد تعذيبه, دون أن يشفع لهذا القائد الشاب, بلاؤه الرائع فى توسيع رقعة الدولة الإسلامية, ولا مهارته الفذة فى القيادة والإدارة, ولا انتصاراته الباهرة فى السند, ولكنّ آثاره الخالدة لا تموت ابداً, وأعماله المجيدة باقية بقاء الدهر, ولم يختره الله الى جواره, إلا بعد ان أبقى اسمه على كل لسان, وفى كل قلب, رمزاً للجهاد الصادق والتضحية الفذة والصبر الجميل .
أما الذين عذبوه, فقد ماتوا وأهم أحياء, ولا نزال حتى اليوم نذكر محمد بن القاسم بالفخر والإعتزاز, ونذكر الذين عذبوه بالخزى والاشمئزاز. لقد عذب اولئك النفر أنفسهم حين عذبوه, وقتلوا أنفسهم حين قتلوه, وقد غيّبوا بظلمهم الأسود جسده, ولكنهم طهروا روحه ورفعوها الى السماء, على حين أظهروا أجسادهم لمدة قصيرة وغيبوا أرواحهم فى الظلمات .
لقد أخذوا بيده الى الجنة , وأخذوا بأيديهم الى النار !!! ” أ.هـ
——————————————

(1) الدولة الأموية للصلابى ص51
(2) حاشية البداية والنهاية (6/189)
(3) قادة فتح السند وأفغانستان ص 209
(4) المصدر نفسه : ص 219
(5) المصدر نفسه : ص 219
(6) البداية والنهاية لابن كثير (6/182) 
(7) جزيرة سيلان الآن
(8) الدولة الأموية للصلابى ص51
(9) قادة فتح السند وأفغانستان ص210
(10) الدولة الأموية للصلابى ص52
(11) الإعلام بمن فى تاريخ الهند من أعلام ص35
(12) الكامل فى التاريخ لابن الأثير (4/287)
(13) قادة فتح السند وأفغانستان ص211
(14) بلاد تمتد من جنوب شرق إيران حتى غرب باكستان
(15) مدينة بين مكران والديْبل من أرض السند
(16) الكامل لابن الأثيرص250
(17) مدينة كراتشى اليوم 
(18) الدولة الأموية للصلابى ص53
(19) بلاد الهند فى العصر الإسلامى ص9
(20) قادة فتح السند وأفغانستان ص212
(21) بلاد الهند فى العصر الإسلامى ص10
(22) الصواب انها(النيرون)انظرقادة السند وأفغانستان ص212
(23) قادة فتح السند وأفغانستان ص213
(24) الكامل فى التاريخ ص251
(25) قادة فتح السند وأفغانستان ص213
(26) الدولة الأموية للصلابى ص53
(27) الكامل فى التاريخ ص251
(28) الإعلان بما فى الهند من أعلام ص35
(29) قادة فتح السند وأفغانستان ص215
(30) المصدر نفسه : ص215
(31) بلاد الهند فى العصر الإسلامى ص10
(32) قادة فتح السند وأفغانستان ص215
(33) وهى مدينة بومباى اليوم
(34) الكامل فى التاريخ ص286
(35) قادة فتح السند وأفغانستان ص217
(36) الدولة الأموية للصلابى ص55
(37) الكامل فى التاريخ ص286
(38) قادة فتح السند وأفغانستان ص221
(39) بلاد الهند فى العصر الإسلامى ص10
(40) الكامل فى التاريخ ص286
(41) قبيلة من عدنان
(42) من قبيلة مزينة
(43) قادة فتح السند وأفغانستان ص219
(44) المصدر نفسه : ص222-223 

نرجو نشر الموضوع لتعم الفائدة …. وآسف على الإطالة


أحبكم فى الله

هارون الرشيد .. أمير الخلفاء وأجلّ ملوك الدنيا !!

هارون الرشيد .. أمير الخلفاء وأجلّ ملوك الدنيا !!
محمود حافظ
لم يتعرض شخصية من التاريخ الإسلامي من التشويه كما تعرضت له شخصية هارون الرشيد رحمه الله !!
وكان من تولى كبر هذا الأمر الروافض والمستشرقين وأذنابهم من العلمانيين .. فكان لابد من تفنيد الشبهات وبيان حقيقة هارون الرشيد .
ونحاول فى هذا الموضوع ان نلقى الضوء على سيرة هارون الرشيد وثناء العلماء عليه وأخباره فى الورع والتقوى والخشية , ومصادر الدراسة هى :-
1- تاريخ بغداد , للخطيب البغدادي
2- تاريخ ابن خلدون , للقاضى عبد الرحمن ابن خلدون 
3- أخبار الدول وآثار الأول , للقرماني
4- الانباء فى تاريخ الخلفاء , للعمراني
5- الكامل فى التاريخ , لابن الأثير
6- الوافى بالوفيات , للصفدي
7- شذرات الذهب فى أخبار من ذهب , لابن العماد الحنبلي
8- الذهب المسبوك فى من حج من الملوك , للمقريزي
9- تاريخ خليفة بن خياط , لابن خياط
10- سير أعلام النبلاء , للإمام الذهبي
11- تاريخ الخلفاء للسيوطي
12- البداية والنهاية , لابن كثير
13- تاريخ الأمم والملوك , للطبري
14- هارون الرشيد أمير الخلفاء وأجل ملوك الدنيا , لشوقى خليل
15-تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار , ابن بطوطة
مولده ونشأته :
هو أمير المؤمنين أبو جعفر هارون بن محمد المهدى بن عبد الله المنصور بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس رضى الله عنهما .
فأبوه هو أمير المؤمنين المهدى وجدّه أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور وأخوه أمير المؤمنين موسى الهادى , وأمّه هى أم ولد تسمّى الخيزران , فكان رحمه الله من عائلة مترفة وكلهم أمراء المؤمنين .

أحد قصور العباسيين فى بغداد المحتلة ..
وُلد هارون الرشيد رحمه الله بالرىّ – مدينة بجانب طهران اليوم – عام 148هـ , وكان رحمه الله طويلا , جميلا , أبيضا , قد وخطه الشيب , وعاش هارون الرشيد فى كنف والده المهدى وكانت له حال عجيبة فى نشاطه للغزو والجهاد على صغر سنه !!
فى عام 165هـ , قاد هارون الرشيد جيوش المسلمين لغزو بلاد الروم ووصل بجيوش المسلمين الى خليج القسطنطينية الى حيث لم يصل اى قائد من الدولة العباسية قبله ولا بعده .
ففى يوم السبت لإحدى عشر ليلة بقيت من جمادى الآخرة عام 165هـ , خرج هارون الرشيد على رأس جيش لغزو بلاد الروم فى خلافة أبيه المهدى , وكان عدد جيوش المسلمين خمسة وتسعين الفا وسبعمائة 95700 ألف مجاهد , فأوغل هارون الرشيد فى بلاد الروم وأثخن فيهم , ووصل الى أهم مدن الروم قبل القسطنطينية وهى “المسالح” وعليها أميرهم “الدمستق” فاتردعت فرائصه من الرعب من الرشيد فهادنه وأعطاهم مائة ألف دينار وثلاثة وتسعين ألفا واربعمائة وخمسين دينارا 193450 ومن الفضة حوالى وحدا وعشرين ألف ألف درهم – 21 مليون درهم . !!
ثم تقدم هارون الرشيد رحمه الله الى ان وصل الى خليج القسطنطينة عاصمة بلاد الروم , وكانت على الروم إمرأة تسمى “إيريني” وتلقب بأغُسْطة , فجرى بينهم سفارات ورسل تطلب الصلح والموادعة , فتم الصلح على الفدية بمقدار سبعون ألف دينار 70.000 سنويا , وكانت الهدنة ثلاث سنوات , ثم قفل الرشيد راجعا الى بغداد .

عملة ذهبية للملكة “إيريني” ملكة الروم فى عهد الرشيد ..
قُتل فى هذه المعارك من الروم اربعة وخمسون ألفا 54 ألفا , وقُتل من الأسارى صبرا ألفان وتسعون أسيرا , وعمّ الخير على بلاد المسلمين من كثرة الغنائم حتى بيع البرذون بدرهم , والبغل بأقل من عشرة دراهم , والدّرع بأقل من درهم , والعشرين سيفا بدرهم .
والعجيب فى كل هذا ان هارون الرشيد يوم قاد جيوش المسلمين لتلك الملحمة لم يتجاوز عمره سبع عشرة سنة 17 فقط !!
الله أكبر ..
يقول مروان بن أبى حفصة فى هذه الوقعة :
أَطفْتَ بقُسطنطينةِ الروم مُسنِدا *** اليها القنا حتى اكتسى الذِّلَّ سورها
وما رِمْتَها حتى أتتك مُلوكُها *** يِجزْيتها , والحربُ تغلى قُدورُها
خلافة هارون الرشيد :
استخلف بعهد أبيه عند موت أخيه الهادى ليلة السبت لأربع عشرة بقيت من ربيع الأول سنة سبعين ومائة 170هـ وفى نفس تلك الليلة وُلد له ابنه عبد الله المأمون , ولم يكن فى سائر الأزمان ليلة مات فيها خليفة وقام خليفة وولد خليفة إلا هذه الليلة , وكان عمر هارون الرشيد لما ولى خلافة المسلمين 22 سنة فقط !!
وكان رأى النبى صلى الله عليه وسلم فى النوم فقال له : إن هذا الأمر قد صار اليك فى هذا الشهر. فاغز وحج ووسع على أهل الحرمين .
وكتب على قلنسوة له : غاز وحاج , وكان يسمى نفسه : الغازى الحاج , وكان نقش خاتمه : “كن مع الله على حذر”

درهم فضي من أيام هارون الرشيد رحمه الله ..
يقول الصفدي : كان يحب العلم وأهله , ويعظم حرمات الله فى الإسلام .
يقول الذهبي : كان من أنبل الخلفاء , وأحشم الملوك , ذا حجٍ وجهاد , وغزو وشجاعة ورأى .
يقول السيوطي : كان أمير الخلفاء وأجلّ ملوك الدنيا , وكان كثير الغزو والحج . وقال ايضا : وكان يحب العلم وأهله ويعظم حرمات الإسلام ويبغض المراء فى الدين والكلام فى معارضة النص .
يقول ابن كثير : كان من أحسن الناس سيرة وأكثرهم غزوا وحجا بنفسه .
يقول ابن العماد الحنبلي : قال ابن الفرات : كان الرشيد يتواضع لأهل العلم والدين , ويكثر من محاضرة العلماء والصالحين.
ويقول ابن العماد : وكان الرشيد رحمه الله يحب الحديث وأهله , وسمع الحديث من مالك بن أنس , وإبراهيم بن سعد الزهري , وأكثرُ حديثه عن آبائه , وروى عنه القاضى أبو يوسف والإمام الشافعي رضى لله عنهما . ذكر ذلك ابن الجوزى
وقال ايضا : وكان كثير البكاء من خشية الله , سريع الدمعة عند الذكر , محبا للمواعظ
يقول القرماني : وهو من أجل ملوك الأرض , له نظر فى العلم والآداب , وكان يصلى فى كل يوم وليلة مائة ركعة , وكان يحب العلم ويوقر أهله , وكانت أيام الرشيد كلها خيرا , كأن من حسنها أعراس .أ.هـ
وكان رحمه الله عابدا متهجدا , فكان يصلى فى خلافته كل يوم مائة ركعة الى ان فارق الدنيا لا يتركها إلا لمرض , وكان يتصدق كل يوم من صلب ماله بألف درهم , وكان إذا حجّ أحجّ معه مائة من الفقهاء وأبنائهم , وإذا لم يحج أحج فى كل سنة ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الباهرة رحمه الله .
وكان عنده من تعظيم الشرع شيىء عجيب وكان إذا ذُكّر بالله تذكر وإذا خُوف ازدجر ,وكان معظما لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , يقول أبو معاوية الضرير الإمام المحدث الكبير : ما ذكرت عنده – اى هارون الرشيد – حديثا إلا قال : صلى الله وسلم على سيدى , وإذا سمع حديثا فيه موعظة بكى حتى يبل الثرى .

أحد قصور العباسيين فى بغداد ..
ودخل عليه يوما الإمام أبو معاوية الضرير وعنده أقوام من وجوه قريش , وكان مجلسه يُقرأ فيه حديث رسول الله , فحدثه أبو معاوية عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة حديث (احتج آدم وموسى) وذكر الحديث , فقال عمّ الرشيد : أين لقى آدم موسى !! , فغضب الرشيد ونادى بالنطع والسيف وقال : زنديق والله يطعن فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم !! , فما زال الإمام أبو معاوية يسكنه ويقول : كانت منه بادرة يا أمير المؤمنين ولم يفهم .
وفى رواية أخرى ان عمّ هارون الرشيد قال : وأين التقيا يا ابا معاوية ؟ فضغب الرشيد من ذلك غضبا شديدا , وقال : أتعترض على الحديث ؟ علىّ بالنطع والسيف , فأحضر ذلك فقام الناس اليه يشفعون فيه , فقال الرشيد : هذه زندقة , ثم أمر بسجنه وأقسم أن لا يخرج حتى يخبرني من ألقى اليه هذا , فأقسم عمّه بالأيمان المغلظة ما قال هذا له أحد , وإنما كانت هذه الكلمة بادرة منى وأنا استغفر الله وأتوب اليه منها . فأطلقه !!

المدرسة المستنصرية ببغداد , بناها المستنصر العباسي ..
الى هذا الدرجة من تعظيم الشرع رحمه الله , وكان محببا اليه سماع الاحاديث لا سيما عن الجهاد !!
يقول أبو معاوية الضرير : حدثت هارون الرشيد بهذا الحديث , يعنى قول النبى صلى الله عليه وسلم : ((وددت أنى أقتل فى سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل .. )) الحديث , فبكى هارون الرشيد حتى انتحب رحمه الله !!
ومما روى من الاحاديث : 
قال الصولي : حدثنا عبد الرحمن بن خلف , حدثني جدى الحصين بن سليمان الضبي , سمعت الرشيد يخطب فقال فى خطبته : حدثنى مبارك بن فضالة , عن الحسن , عن أنس ققال : قال النبى صلى الله عليه وسلم : اتقوا النار ولو بشق تمرة .
حدثنى محمد بن على عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن علىّ بن أبى طالب قال : قال النبى صلى الله عليه وسلم : نظفوا أفواهكم فإنها طريق القرآن .
قلما نسمع عن خليفة للمسلمين له رواية للحديث , لله دره !!

صفحة من المصحف فى العهد العباسي الأول ..
يقول الذهبي : وكان يحب العلماء , ويعظم حرمات الدين , ويبغض الجدال والكلام , ويبكى على نفسه ولهوه وذنوبه لا سيما إذا وعظ . أ.هـ
يقول الخطيب البغدادي : وكان يحب الفقه والفقهاء , ويميل الى العلماء . أ.هـ
عن أبى معاوية ايضا قال : أكلت مع الرشيد يوما , ثم صبّ على يدى رجل لا أعرفه , ثم قال الرشيد : تدرى من يصب عليك ؟ قلت : لا , قال : أنا , إجلالاً للعلم , قال أبو معاوية : فدعوت له , فقال : إنما أردت تعظيم العلم.
ويروى بعضهم : دخلت على هارون الرشيد وبين يديه رجل مضروب العنق والسياف يمسح سيفه فى قفا الرجل المقتول , فقال هارون الرشيد : قتلته لأنه قال القرآن مخلوق , فقتله على ذلك قربة الى الله عز وجل .
وبلغه عن بشر المريسي القول بخلق القرآن , فقال : لئن ظفرت به لأضربن عنقه .

أحد قصور العباسيين فى بغداد ..
وأخرج ابن عساكر عن أبن علية , أخذ هارون الرشيد زنديقا , فامر بضرب عنقه , فقال له الزنديق : لم تضرب عنقى ؟ , فقال الرشيد : أُريح العباد منك , فقال الزنديق : فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله كلها ما فيها حرف نطق به !!
فقال الرشيد : فأين أنت يا عدو الله من أبى اسحق الفزاري , وعبد الله بن المبارك , فينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا !!
دخل عليه يوما ابن السمّاك الواعظ فاستسقى الرشيد فأتى بقلة فيها ماء مبرد فقال لابن السماك : عظني , فقال : يا أمير المؤمنين بكم كنت مشتريا هذه الشربة لو منعتها ؟ فقال : بنصف ملكي , فقال : اشرب هنيئا , فلما شرب قال : أرأيت لو منعت خروجها من بدنك بكم كنت تشتري ذلك ؟ فقال : بنصف ملكي الآخر , فقال : إن ملكا لا يساوى شربة ماء وخروج بولة لجدير الا ينافس فيه , فبكى هارون الرشيد رحمه !!
وروى أنه لما لقى الفضيل بن عياض هارون الرشيد , فقال الفضيل : يا حسن الوجه أنت المسؤول عن هذه الأمة , حدثنا ليث عن مجاهد ((وتقطعت بهم الاسباب)) قال : الوصل الذى كان بينهم فى الدنيا , فجعل هارون الرشيد يبكى وينتحب رحمه الله !! , وكان يأتي بنفسه بيت الفضيل بن عياض
ويقول منصور بن عمار : ما رأيت أغزر دمعا عند الذكر من ثلاثة : فضيل بن عياض , وأبو عبد الرحمن الزاهد , وهارون الرشيد .
وكان هارون الرشيد من جملة دعائه : يا من خشعت له الأصوات بأنواع اللغات يسألونه الحاجات , إن من حاجتي إليك ان تغفر لى ذنوبي إذا توفيتنى , وصُيرت فى لحدي , وتفرق عنى أهلي وولدي , اللهم لك الحمد حمدا يفضل كل حمد كفضلك على جميع الخلق , اللهم صل على محمد وعلى آل محمد صلاة تكون له رضا , وصل عليه صلاة تكون له ذخرا وأجزه عنا الجزاء الأوفى , اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء واجعلنا سعداء مرزوقين , ولا تجعلنا أشقياء مرجومين …
يقول محمد بن منصور البغدادي : لما حبس الرشيد أبا العتاهية جعل عليه عينا يأتيه بما يقول , فرآه يوما قد كتب على الحائط :
أما والله إن الظلم لؤمٌ *** وما زال المسيء هو الظلومُ
الى ديان يوم الدين نمضى *** وعند الله تجتمع الخصومُ
فأُخبر الرشيد بذلك فبكى , أحضره واستحله !!

دينار ذهبي فى عهد الدولة العباسية ..
وكان للرشيد تعظيما بالغا لأبى بكر وعمر ويحب سيرتهما ,وكان يسأل عنهما , سأل الرشيد احد العلماء يوما عن منزلة أبى بكر وعمر عند النبى صلى الله عليه وسلم , فقال له : كانت منزلتهما فى حياته منه منزلتهما فى مماته , فقال : كفيتني ما أحتاج اليه ..
وبلغ من بعض عمال يوما حسن سيرته وتحريه العدل والأمانة , فأرسل اليه الرشيد يستقدمه ليكافأه ويكون مقدما عنده , فدخل عليه الرجل , وكان الرشيد يأكل سفرجلا , وهو يقشره ويأكل منه , فقال له : يا فلان , ما أحسن ما انتهى الى مولاك عنك , ولك عنده ما تحب , وقد أمرت لك بكذا وكذا , ووليتك كذا وكذا , فسل حاجتك! , فتكلم الرجل بحسن سيرته وقال : أنسيْتهم والله يا أمير المؤمنين سيرة العمريْن !!
فغضب هارون الرشيد واستشاط غضبا , وأخذ السفرجلة فرماه بها , وقال : يا بن اللخناء , العمريْن! , العمريْن! , العمريْن ! هبنا احتملناها لعمر بن عبد العزيز , نحتملها لعمر بن الخطاب !!
وقال له بعض أهل العلم : يا أمير المؤمنين انظر الى هؤلاء الذين يحبون أبا بكر وعمر ويقدمونهما فأكرمهم بعز سلطانك , فقال الرشيد : أولست كذلك ؟ أنا والله كذلك أحبهما وأحب من يحبهما وأعاقب من يبغضهما .
وكان عظيم الخشية إذا وعظ ويبكى بكاء شديدا …
فذكر محمد بن هارون , عن أبيه , قال : حضرت الرشيد , وقال له الفضل بن الربيع : يا أمير المؤمنين , قد أحضرت ابن السمّاك كما أمرتني , قال : أدخله , فدخل , فقال له : عظني , قال : يا أمير المؤمنين , اتق الله وحده لا شريك له , واعلم انك واقف غدا بين يدى الله ربك , ثم مصروف الى إحدى منزلتين لا ثالث لهما , جنة او نار . قال : فبكى هارون الرشيد حتى اخضلت لحيته.
قال الأصمعى : صنع الرشيد يوما طعاما كثيرا وزخرف مجالسه , وأحضر أبا العتاهية فقال : صف لنا ما نحن فيه من نعيم هذه الدنيا فقال :
عِش ما بدا لك سالما *** فى ظل شاهقة القصور

فقال : أحسنت , ثم قال : ماذا ؟ فقال : 

يسعى عليك بما اشتهيـ *** ـت لدى الرواح وفى البكور

فقال : أحسنت , ثم قال : ماذا ؟ فقال : 

فإذا النفوس تقعقت *** فى ظل حشرجة الصدورِ
فهناك تعلم موقنا *** ما كنت إلا فى غرور
فبكى الرشيد , وقال الفضل بن يحيى : بعث اليك أمير المؤمنين لتسره فحزنته , فقال : دعه , فإنه رآنا فى عمى فكره أن يزيدنا … رحمه الله !!
ولما حج هارون الرشيد يوما , دخل على الفضيل بن عياض , فوعظه الفضيل بن عياض موعظة طويلة جليلة , حتى بكى الرشيد وانتحب واغشى عليه , رحمه الله تعالى

الدولة الإسلامية فى عهد الرشيد ..
وهذه القصة العجيبة التى أوردها الإمام ابن كثير فى تاريخه وتدل على ورع الرشيد وخشيته :

يقول ابن كثير : ” وروى ابن عساكر، عن إبراهيم المهدي، قال: كنت يوما عند الرشيد فدعا طباخه فقال: أعندك في الطعام لحم جزور؟

قال: نعم، ألوان منه.

فقال: أحضره مع الطعام.

فلما وضع بين يديه أخذ لقمة منه فوضعها في فيه فضحك جعفر البرمكي، فترك الرشيد مضغ اللقمة وأقبل عليه فقال: مم تضحك؟

قال: لا شيء يا أمير المؤمنين، ذكرت كلاما بيني وبين جاريتي البارحة.

فقال له: بحقي عليك لما أخبرتني به.

قال: حتى تأكل هذه اللقمة.

فألقاها من فيه وقال: والله لتخبرني.

فقال: يا أمير المؤمنين ! بكم تقول إن هذا الطعام من لحم الجزور يقوم عليك؟

قال: بأربعة دارهم.

قال: لا والله، يا أمير المؤمنين بل بأربعمائة ألف درهم.

قال: وكيف ذلك؟

قال: إنك طلبت من طباخك لحم جزور قبل هذا اليوم بمدة طويلة فلم يوجد عنده.

فقلت: لا يخلون المطبخ من لحم جزور فنحن ننحر كل يوم جزورا لأجل مطبخ أمير المؤمنين، لأنا لا نشتري من السوق لحم جزور.

فصرف في لحم الجزور من ذلك اليوم إلى هذا اليوم أربعمائة ألف درهم، ولم يطلب أمير المؤمنين لحم جزور إلا هذا اليوم.

قال جعفر: فضحكت لأن أمير المؤمنين إنما ناله من ذلك هذه اللقمة. فهي على أمير المؤمنين بأربعمائة ألف.

قال: فبكى هارون الرشيد بكاءً شديدا وأمر برفع السماط من بين يديه، وأقبل على نفسه يوبخها ويقول: هلكت والله يا هارون.

ولم يزل يبكي حتى آذنه المؤذنون بصلاة الظهر، فخرج فصلى بالناس ثم رجع يبكي حتى آذنه المؤذنون بصلاة العصر، وقد أمر بألفي ألف تصرف إلى فقراء الحرمين في كل حرم ألف ألف صدقة، وأمر بألفي ألف يتصدق بها في جانبي بغداد الغربي والشرقي، وبألف ألف يتصدق بها على فقراء الكوفة والبصرة.
ثم خرج إلى صلاة العصر ثم رجع يبكي حتى صلى المغرب، ثم رجع، فدخل عليه أبو يوسف القاضي فقال: ما شأنك يا أمير المؤمنين باكيا في هذا اليوم؟

فذكر أمره وما صرف من المال الجزيل لأجل شهوته، وإنما ناله منها لقمة.

فقال أبو يوسف: لجعفر هل كان ما تذبحونه من الجزور يفسد، أو يأكله الناس؟

قال: بل يأكله الناس.

فقال: أبشر يا أمير المؤمنين بثواب الله فيما صرفته من المال الذي أكله المسلمون في الأيام الماضية، وبما يسره الله عليك من الصدقة، وبما رزقك الله من خشيته وخوفه في هذا اليوم، وقد قال تعالى: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [الرحمن: 46] .
فأمر له الرشيد بأربعمائة ألف.

ثم استدعى بطعام فأكل منه فكان غداؤه في هذا اليوم عشاء.أ.هـ 

قال عبد الرزاق : كنت مع الفضيل بمكة , فمر هارون , فقال الفضيل : الناس يكرهون هذا , وما فى الأرض أعز علىّ منه , ولو مات لرأيت أمورا عظاما .
وكان الفضيل بن عياض يقول : ما من نفس تموت أشد علىّ موتا من هارون أمير المؤمنين , وددت أن الله زاد فى عمره من عمرى , فكبر ذلك على أصحابه , فلما ماتهارون الرشيد وظهرت تلك الفتن , وكان من المأمون ما حمل الناس على قول القرآن مخلوق , قالوا : الشيخ كان أعلم بما تكلم به .
وهذا نادر فى سير الخلفاء والقادة , أن نجد فى سيرهم مثل هذا الكلام من العلماء والفقهاء , فضلا ان يخرج هذا الكلام من الفضيل بن عياض سيد التابعين رحمه الله !! … وإن لم يكن فى ترجمة هارون الرشيد سوى هذا لكفى .
واعتمر الرشيد عام 179هـ فى رمضان , واستمر فى إحرامه الى أن حج ماشيا من بطن مكة .
والرشيد هو الوحيد فى خلفاء المسلمين الذى حج ماشيا رحمه الله تعالى ورضى عنه

الكعبة .. بيت الله !!
وكان الرشيد يحوطه علماء كبار وأئمة عظماء , فكان أبو يوسق القاضى صاحب الخراج وله كتابه (الخراج) ألفه لهارون الرشيد , ومحمد بن الحسن الشيباني قاضى القضاة , وكان يعظم عبد الله بن المبارك , وقابل الإمام مالك وكان يقرع بابه صغيرا فى خلافة ابيه المهدى يطلع عليه العلم , فكان الإمام مالك شيخ هارون الرشيد , وللإمام مالك رسالة طويلة الى هارون الرشيد معلومة ومطبوعة.
ولما مات عبد الله بن المبارك , وبلغ خبر وفاته الرشيد قال : مات سيد العلماء , ثم جلس للعزاء , وأمر الأعيان ان يعزوه فى ابن المبارك
وكان الرشيد عالما دينا فاضلا , لا نعلم أحد من ملوك المسلمين قديما وحديثا له رحلة فى طلب العلم إلا اثنين :
1- هارون الرشيد لما ارتحل لمالك لسماع الموطأ
2- صلاح الدين الأيوبي ارتحل للأسكندرية لسماع الموطأ على الحافظ السِّلفى
نكبة البرامكة : 
كثر الكلام عن اسباب نكبة البرامكة , وقيلت روايات منكرة للغاية , منها ان يحيى بن خالد البرمكي كان يجامع العباسة اخت هارون الرشيد فى محضر هارون الرشيد وكانا يسكران و… الخ , نعوذ بالله من هذا الخذلان وهذا المجون الذى لا يليق بفرد من أفرد المسلمين فضلا عن هارون الرشيد التقىّ الخاشع , وكل هذا من تلبيس المغرضين ومن أقوال المستشرقين والروافض الذى بثوا سمومهم فى كتب التاريخ .
ونكتفى يما قاله العمراني فى الانباء فى تاريخ الخلفاء : “ولما دخلت سنة سبع وثمانين نكب الرشيد البرامكة وكانت لذلك أسباب منها : استيلاوهم على الدولة وتغلبهم على الدنيا بالكلية , ثم تزويج جعفر بأخت هارون الرشيد بغير علمه وأمور أخرى قد حكيت , فأن كان لها صحة فقد قوبلوا عليها فى الدنيا باستباحة الدم والمال والله تعالى لا يغفل فى الآخرة عن أمثالها , وإن لم يكن لها صحة فلا فائدة من ذكرها.أ.هـ
وبنظر فى هذا الأمر الى كتاب (الرشيد القائد) لبسام العسلي .
وأما عن جهاده وغزوه :
فقد كان رحمه الله كثير الغزو والجهاد , وجرى فى عهد هارون الرشيد أول فكاك للأسرى فى التاريخ الإسلامي , فلم يبق أسيرا مسلما واحدا فى بلاد الروم !!
وغزا الرشيد ووغل فى أرض الروم عام 179هـ , فافتح الصفصاف وبلغ جيشه أنقرة !
وفى عام 187هـ , نقضت الروم العهد بينهم وبين هارون الرشيد , وتسلط على الحكم الملك النقفور (نيكوفوريس) فأرسل الى هارون الرشيد رسالة هذه نصها :
من نقفور ملك الروم , الى هارون ملك العرب , أما بعد …
فإن الملكة التى كانت قبلي , أقامتك مقام الرخّ – الطائر الكبير- وأقامت نفسها مقام البيْدق – الطائر الصغير – فحملت اليك من أموالها ما كنت حقيقا بحمل أمثالها اليها , لكن ذاك ضعف النساء وحمقهنّ , فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قِبلك من أموالها , وافتدِ نفسك بما يقع به المصادرة لك , والا فالسيف بيننا وبينك.أ.هـ

عملة ذهبية فى عهد النقفور ..
فلما قرأ الرشيد الكتاب , استفزه الغضب حتى لم يمكن احدا ان ينظر إليه دون ان يخاطبه , وتفرق جلساوه خوفا من زيادة قول او فعل يكون منهم , واستعجم الرأى على الوزير من أن يشير ليعه او يتركه يستبد برأيه دونه , فدعا بداوة وكتب على ظهر الكتاب :
بسم الله الرحمن الرحيم , من هارون الرشيد أمير المؤمنين الى نقفور “كلب” الروم , قد قرات كتابك “يابن الكافرة” , والجواب ما تراه دون ان تسمعه , والسلام
وااااااااااااااااااهٍ يا أيام العزة .. !!
ثم شخص من يومه وسار حتى أناخ بباب “هِرَقْلَة” ففتح وغنم واصطفى وأفاد وخرّب وحرّق , فطلب النقفور الموادعة على خراج يؤديه فى كل سنة , فأجابه الى ذلك .
ومازال ذلك ديدن الرشيد مع بلاد الروم , فقد كان طيلة خلافته يغزوهم ويرسل السرايا والجيوش ويستخلص الأسرى ويثخن فى الروم حتى ارتعدت فرائصهم رعبا من المسلمين . وكان كما سبق : يغزو عاما ويحج عاما , وكانت له قلنسوة مكتوب عليها : غاز وحاج
ففيه يقول أبى المعالي :

فمن يطلب لقائك او يرده *** فبالحرمين أو أقصى الثغورِ

وفاة هارون الرشيد رحمه الله : 
توفى هارون الرشيد رحمه الله غازيا , ووافته المنية بطوس – مدينة مشهد فى إيران اليوم – فى ثالث جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة 193هـ , وله خمس وأربعون سنة !! ودامت خلافتة رحمه الله 23 سنة ..
وكان رحمه الله قد أمر ببناء قبره وكان ينظر فيه ويبكى ويقول : واسؤتاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم !! ثم يقول : يابن آدم تصير الى هذا !!
فرحمة الله على أمير المؤمنين أبو جعفر هارون الرشيد وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا , وغفر الله له زلاته .
وفى النهاية لابد من توضيح هام جدا .
إن التاريخ الإسلامي تاريخ غير معصوم , لأن أفراده بشر غير معصومين , فقد يصدر منهم بعض الأخطاء او الزلل , والعبرة هنا بكثرة الفضائل وقلة السيئات , والماء فوق القلتين لا يحمل الخبث ..
ونحن لا ندعى العصمة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلا عن القادة والفاتحين من المتأخرين , فقد نجد فى سيرهم بعض الأخطاء لا ننكرها , ولكن لا نسقط تلك الرموز بسبب تلك الأخطاء , فلو فعلنا لما سلم لنا احد من أعلام التاريخ الإسلامي من العلماء والفقهاء والقادة والفاتحين !!
فلا ننكر ان هارون الرشيد له بعض النقاط السيئة وانغماسه فى بعض اللهو والترف , ولكن لا نعلم عنه فسقا او فجورا ومجونا !! , وتلك القطوف التى أوردناها فى الموضوع ترد على كل من ادعى بمجون الرشيد وفسوقه !! , وهنا يجب التحذير من بعض الكتب التى شوهت سيرة الرشيد وسير بعض العظماء وحتى الصحابة ونسجت حولهم الأكاذيب والمغالطات , من تلك الكتب :
مروج الذهب للمسعودي , وقد كان شيعيا يحقد على الأمويين وله أكاذيب فى سير بعض الصحابة
وكتاب الأغاني للأصفهانى فيه الكثير من الاساطير حوال مجون الرشيد وتمتعته بالجواريى وإدمانه للخمر حاشاه رحمه الله , وكتب بعض المستشرقين وأذنابهم مثل كتابات جرجي زيدان فى التاريخ الإسلامى التى شوهت التاريخ الإسلامي !!
رحم الله هارون الرشيد وغفر له …
نرجو نقل الموضوع لتعم الفائدة وينتفع به المسلمون ان شاء الله .. (عند النقل ذكر المصدر)

المنصورُ بن أبى عامر …. أسطورةٌ لن تتكرر

المنصورُ بن أبى عامر …. أسطورةٌ لن تتكرر !!
بقلم / محمود حافظ
كان من أعظم من حكم الأندلس على الإطلاق , الرجل الذى وطأت خيله أماكن لم يطأها خيل المسلمين من قبل !! يكفى ذكر اسم المنصور بن أبى عامر أمام ملوك قشتالة وليون وجيليقية ليجثوا على ركبهم من الرعب والهلع , كان لربما الواحد منهم أرسل ابنته جارية عند المنصور فى قرطبة لينال رضاه ..!!
ووصلت جيوشه الى حيث لم يصل حاكم أو خليفة قبله قط , وغزا أكثر من 54 غزوة فى الأندلس فلم تنتكس له فيها راية ولم تهلك له سرية ولم ينهزم له جيشٌ قط !!!
آثــاره تنبيـك عن أخبــاره **حتـى كأنــك بالعيـــان تـراهُ
تالله لا يأتي الزمان بمثله **أبدًا ولا يحمي الثغور سواهُ
فمن هذا الرجل العظيم الذى لم يأتى الزمان بمثله أبدا , ومن هذا العظيم الذى كان رمزا للرعب فى الممالك المسيحية فى أوروبا !!!
دعونا نسرد سيرة الحاجب المنصور ابن أبى عامر , وحقيقة لقد جُمع لى من المصادر والمراجع والكتب الشيىء الكثير لأنى فى الحقيقة أردت أن أعمل دراسة كاملة متأنية فى سيرة الحاجب المنصور , لكن أكتفى بذكر نبذة بسيطة عن هذا البطل الفريد الى حين الإنتهاء من الدراسة الكاملة إن شاء الله, واليكم بعض مصادر الدراسة :-
1- اعمال الأعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الاسلام , للسان الدين ابن الخطيب
2- الزهرات المنثورة فى نكت الأخبار المأثورة , لابن سماك العاملى
3- البيان المغرب فى أخبار الأندلس والمغرب , لابن عذارى المراكشىّ
4- المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء و الفتيا ,لأبو الحسن النباهى المالقى الأندلسى
5- بغية الملتمس فى تاريخ أهل الأندلس , للضبىّ 
6- صفة جزيرة الأندلس منتخبة من كتاب الروض المعطار فى خبر الأقطار , للحميرىّ 
7- دولة الإسلام فى الأندلس , لمحمد عبد الله عنان
8- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب , للمقرى التلمسانى
9- الذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة , لابن بسام الشنترينى
10- وغيرها من الكتب والمصادر العديدة الأخرى ولكن أكتفى بذكر ماسبق أعلاه …
الأندلس …..
ما أعذبها من كلمة تطرب لسماعها الآذان وتسرح فى جمالها الأذهان , هى الفردوس المفقود والمجد السليب ولولا أن هذا المقام ليس لذكر حضارة الأندلس لأسهبت بالحديث عن ذكر محاسن الأندلس ومآثرها ولكن أكتفى الآن بذكر أحد تلك المآثر العظيمة إن لم يكن أعظمها على الاطلاق …
المولد والنشأة :-
إنه محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عامر بن أبى عامر بن الوليد ابن يزيد بن عبد الملك المعافرىّ القحطانىّ , من أصول يمنية , جده الأكبر “عبد الملك المعافرى” هذا كان أحد قادة الجند مع طارق بن زياد أثناء فتح الأندلس الأول . وكان أبوه “عبد الله بن محمد” من أهل الفضل والعلم حجّ ثم مات قافلاً من حجه – رحمه الله – فى طرابلس المغرب. وأمه هى “بُريْهة بنت يحيى بن زكريا التميمىّ ” من بنى تميم , لذلك قال فيه ابن دارج القسطلىّ :
تلاقت عليه من تميمٍ ويَعْرُبِ *** شموسٌ تلالا فى العلا وبدورُ
مـن الحِمــيْريْنَ الذين أكُفُّهـم *** سحـائبُ تَهْمي بالنَّدى وبحــورُ
وُلد محمد بن أبى عامر عام 327هـ , وهو العام الذى انهزم فيه المسلمون فى عهد عبد الرحمن الناصر – رحمه الله – فى معركة الخندق عند مدينة “شنت مانقش” أمام قلعة سمّورة المنيعة , وكأن ميلاد محمد بن أبى عامر فى هذه السنة هو أخذ الله بثأر المسلمين على يدى المنصور .أصله من “تركش” فى الجزيرة الخضراء فى جنوب الأندلس , نشأ محمد بن أبى عامر كمثله من أقرانه على القرآن والفقه إلا أنه كان ظاهر النجابة وكانت له حال عجيب فى قوة الإرادة والطموح والسعى وراء هدفه حتى قال عنه ابن الآبار فى كتابه “الحلة السيراء” : كان أحد أعاجيب الدنيا فى ترقيه والظفر بتمنيه !!

لافتة فى أحد الطرق الأسبانية لمدينة الجزيرة الخضراء ومكتوبة بالخط العربى
وقال عنه ابن عذارى المراكشىّ فى كتابه “البيان المغرب فى أخبار الأندلس والمغرب” : وكان محمد هذا حسن النشأة , ظاهر النجابة , تتفرس فيه السيادة …
ارتحل محمد بن ابى عامر الى قرطبة حاضرة الدنيا طلباً للأدب وعلم الحديث , فطلب علم اللغة على أبى علىّ القالىّ البغدادىّ اللغوى المشهور وعلى أبى بكر ابن القوطية , وقرأ الحديث على أبى بكر ابن معاوية القرشىّ وغيره , فنبغ فى تلك العلوم كلها ونما ذكره فيها .
حلم المنصور بن أبى عامر :-
كان محمد بن أبى عامر – رحمه الله – له همة عجيبة وإرادة قوية وكان لديه حلما عظيما وهو أن يصبح حاكم الأندلس !!
وقد كان – رحمه الله – يخبر أصحابه بهذا والمقربين اليه , حتى أنه لربما قلدهم الخُطط والمناصب وهو مازال فى حداثة سنّه !!
واليكم هذه القصة التى أوردها ابن الخطيب فى كتابه ” اعمال الأعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الاسلام ” وأوردها أيضا ابن النباهى فى ترجمة القاضى الجليل محمد بن يبقى بن زرب فى كتابه ” المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء و الفتيا ” يقول :
( ومن أعجب أحواله – أى محمد بن أبى عامر – أنه كان على بصيرة من أمره , هانئاً بما ذخرت له الأيام فى حداثة سنّه , فكان يتكلم فى ذلك بين أصحابه , ويشير الى ما خبأ الله له من غيبه , فحدث ابن ابى الفيّاض فى كتابه قال : أخبره الفقيه أبو محمد علىّ بن أحمد , قال : أخبرنى محمد بن موسى بن عزرون , قال : أخبرنى أبى قال : اجتمعنا يوماً فى متنزه لنا بجهة الناعورة بقرطبة , ومعنا ابن أبى عامر , وهو فى حداثته , وابن عمه عمرو بن عسقلاجة , والكاتب ابن المارعزّى ورجلٌ يعرف بابن الحسن من جهة مالقة , كانت معنا سفرة فيها طعامٌ , فقال المنصور من ذلك الكلام الذى كان يتكلم به : < لا بد لى أن أملك الأندلس , وأقود العسكر , وينفذ حكمى فى جميع الأندلس !! > , ونحن نضحك منه ونهزأ به . وقال : < تمنّوا علىّ > , فقال ابن عمه عمرو : ” أتمنّى أن تولينى على المدينة , نضرب ظهور الجناة ونفتحها مثل هذه الشاردة ” , وقال ابن المارعزّى : “أشتهى أن تولينى أحكام السوق !” , وقال ابن الحسن : “نتمنّى أن تولينى القضاء بجهتى ! ” , قال موسى بن عزرون : وقال :<تمنّى أنت ! > , فشققت لحيته , وأسمعته كلاماً سمجاً قبيحاً …
فلم يك إلا أن صار الملك اليه , فولى ابن عمه المدينة , وولى ابن المارعزّى السوق , وكتب لابن الحسن بالقضاء , قال : “وأغرمنى أنا مالاً عظيماً , أجحفنى وأفقرنى لقبيح ما كنت جئت به ..” ) انتهى كلام ابن الخطيب .
وايضا قصة أخرى عجيبة من قصص المنصور بن أبى عامر فى هذا الجانب ذكرها أبو الحسن النباهى فى كتابه (المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء و الفتيا) أنقلها لكم بتصرف :
(كان المنصور بائتاً ليلة مع أحد إخوانه في غرفة، فرقد رفيقه، ودنيُّه، ولم يرقد هو قلقاً وسهراً فقال له صاحبه: يا هذا قد أضررتني هذه الليلة بهذا السهر , فدعنى أرقد …
فقال المنصورإنني أتفكر في من يصلح أن يكون قاضياً للأندلس، ولمّا استغرب صاحبه ذلك، قال له: “يا هذا! أأنت أمير المؤمنين؟ فقال له: “هو كذلك“.
ثم أخذ صاحبه يعرض بعض أسماء القضاء وقال : يصلح فلانٌ ويصلح فلانٌ , ومحمد بن أبى عامر لا يجوز من المذكورين أحداً , حتى ذكر صاحبه “أبي بكر محمد بن يبقى بن زرب” العالم الجليل الفاضل ، فتهللت أسارير وجه محمد بن أبى عامر وقال : < يا هذا ! فرجت عنّى , ليس بالله يصلح لها أحدٌ غيره > ثم رقد ونام مطمئناً !!! )
هكذا كان المنصور بن أبى عامر فى حداثة سنّه يحدّث نفسه بحكم الأندلس , وأن يقود العسكر وينفذ حكمه فيها , فكان يضع هذا الهدف نصب عينيه ويعمل له ويخطط من أجله ويسعى من أجل تحقيقه ..
حياة محمد بن أبى عامر فى قرطبة :-
اقتعد محمد بن أبى عامر دكانا عند الزهراء – المدينة الملكية التى بناها عبد الرحمن الناصر – أيام الخليفة الحكم المستنصر – رحمه الله – يكتب شكاوى الناس أو طلباتهم أو حاجاتهم التى يرفعونها الى الخليفة او الحاجب , وكان يأنس اليه فتيان القصر وظل على ذلك مدة حتى رفع ذكره وعلا شأنه وبدأ نجمه فى الظهور .
حتى طلبت السيدة صبح زوج الخليفة الحكم المستنصر – رحمه الله – وأم ولى العهد “هشام” من يكتب عنها , فدلوها على محمد بن أبى عامر , فترقى الى ان كتب عنها , فاستحسنته ونبهت عليه الحكم المستنصر – رحمه الله – ورغبت فى تشريفه بالخدمة .
ومن ذلك اليوم وبدأ نجم محمد بن أبى عامر فى الظهور وظهرت منه نجابة وذكاء أعجبت الحكم المستنصر – رحمه الله , فترشح الى وكالة ولى العهد “هشام” لسنة 359هـ , فأعجبت به الحكم المستنصر , فولاه قضاء بعض الكور بأشبيلية , ثم ترقى الى المواريث والزكاة , فأظهر حسن التدبير مع ما له من الرأى السديد فأعجب به الحكم المستنصر – رحمه الله – فولاه الشرطة الوسطى بقرطبة , ثم أصبح صاحب السكة , ثم قدمه الى الأمانات بالعدوة ….
وظل محمد بن أبى عامر فى ترقى مستمر وبدأ بزوغ فجره ومن ورائه فجر الأندلس كلها , حتى لازم الحكم المستنصر – رحمه الله – وأوكل اليه القيام على أمر ولى العهد “هشام” بن الحكم المستنصر , فبذلك أصبح محمد بن أبى عامر فى منزلة رفيعة جدا .
وكان محمد بن أبى عامر يصطنع الرجال من حوله ويمهد لنفسه وكان يتخذ رجاله من البربر من أهل العدوة لخشونتهم وصلابتهم عند الحروب , ولكى يقوم بالقضاء على الصقالبة ويدمر نفوذهم فيما بعد كما سيأتى.

بقايا مدينة الزهراء فى أسبانيا …
وبذلك أصبح محمد بن أبى عامر من كبار رجال القصر وهو مازال فى العقد الثالث من عمره , وليس يضاهيه فى منزلته إلا الحاجب – بمثابة رئيس الوزراء – جعفر المصحفىّ وقائد جيش الثغور غالب الناصرىّ , وأصبح محمد بن أبى عامر حديث العامة فى قرطبة , فكان لا يمر يوم إلا وهو فى زيادة ترقى , فكانت أيامه فى إقبال وتخبر عن سعده وبزوغ فجره وسطوع شمسه , فتمكن حبه للناس وكان بابه مفتوح لهم على الدوام , وأفشى الأمن فى قرطبة بعدما ضجت العامة من ضياع الأمن لكثرة اللصوص وتسلط الفتيان الصقالبة على العامة فقد ظهر وفشى ظلمهم وبغيهم , حتى قضى عليهم محمد بن أبى عامر كما سيأتى بيانه إن شاء الله .
وفاة الحكم المستنصر -ر حمه الله :-
وتوفى الخليفة الحكم المستنصر – رحمه الله – فى قصره بقرطبة بعدما أصيب بالفالج , وذلك فى عام 366هـ , بعد أن حكم الأندلس 16 عاماً كانت كلها بركة وخير على المسلمين فى الأندلس , وولى من بعده ابنه “هشام” وهو ابن اثنتى عشرة سنة 12 سنة !! وتسمّى وتلقب ” هشام المؤيد بالله ” , وكان وقتها بلغ محمد بن أبى عامر 39 عاماً , فكان لابد من رجل يدبر أمره ويقوم على عمل الدولة وتدبير الخلافة .
فتكون مجلس وصاية على الخليفة الصبىّ ويتكون من أكبر 3 رجال فى الأندلس وقتها وهم :
1- الحاجب جعفر المصحفىّ
2- قائد الثغور غالب الناصرىّ
3- قائد الشرطة وحاكم المدينة محمد بن أبى عامر
عند وفاة الحكم المستنصر – رحمه الله – جاشت الروم وهاجت حتى كادت تطرق أبواب قرطبة , ولم يحرك الحاجب جعفر المصحفى ساكناً خوفاً على منصبه وتبعه فى ذلك غالب الناصرىّ قائد الثغور وكانت بينه وبين الحاجب جعفر المصحفى خلافة قديمة وبغضاً وكراهية شديدة , فلم يقم أى منهما لنصرة المسلمين وتأديب النصارى الذين هجموا على ثغور المسلمين .
قال ابن حيان ( … وجاشت النصرانية بموت الحكم وخرجوا على أهل الثغور فوصلوا إلى باب قرطبة ولم يجدوا عند جعفر المصحفي غناء ولا نصرة وكان مما أتى عليه أن أمر أهل قلعة رباح بقطع سد نهرهم لما تخيله من أن في ذلك النجاة من العدو ولم تقع حيلته لأكثر منه مع وفور الجيوش وجموع الأموال وكان ذلك من سقطات جعفرفأنف محمد بن أبي عامر من هذه الدنية .. ) انتهى كلام ابن حيان
فقام محمد بن أبى عامر بأخذ رجاله وطلب من جعفر المصحفى أن يمده بالرجال والعتاد والمال اللازم للقيام بحملة لتأديب النصارى وليعلموا أن مازال بالمسلمين شوكة ومنعة , وبالفعل قام المنصور بحملة عظيمة جدا فى الشمال وغنم من السلاح والأموال الشيىء الكثير . وقفل راجعا الى قرطبة بعد 52 يوما من الغزو والجهاد وكان يوزع المال فى طريق عودته الى قرطبة على الجند والعوام حتى تمكن حبه فى قلوب الناس , واستبشروا به جدا . وكان وصياً على الصبى هشام المؤيد بالله , فقام بإسقاط ضريبة الزيتون عن الناس , فسروا بذلك أعظم سرور , ونسب شأنها الى محمد بن أبى عامر وأنه أشار الى ذلك , فأحبوه لذلك ثم يقول ابن عذارى فى “البيان المغرب ” :
( ولم تزل الهمة تحذوه , والجد يحظيه , والقضاء يساعده , والسياسة الحسنة لا تفارقه , حتى قام بتدبير الخلافة , وأقعد من كان له فيها إنافة , وساس الأمور أحسن سياسة , وداس الخطوب بأخشن دياسة , فانتظمت له الممالك , وانضحت به المسالك , وانتشر الأمن فى كل طريق , واستشعر اليمن كل فريق , وأسقط جعفرا المصحفىّ , وعمل فيه ماأراده … ) انتهى كلام ابن عذارى
والتف المسلمون حول محمد بن أبى عامر , فى الوقت الذى بدأت أيام الحاجب جعفر المصحفىّ فى الزوال , فقد أفل نجمه وكورت شمسه ورغب الناس عنه , وأصبح يمشى وحيدا فى طرقات الزهراء بعد ان كان من قبل كثيف الموكب وجليل الهيبة وكان الناس لا يستطيعون الى الوصول اليه لكثافة موكبه . ثم أقدم محمد بن أبى عامر بالتحالف مع غالب الناصرىّ وتزوج ابنته “أسماء” وكان عرس مشهود فى الأندلس كلها , وبدأت نكبة الحاجب جعفر المصحفىّ , فخلعه محمد بن أبى عامر وأصبح الحاجب من بعده ..

دينار هام يشمل اسماء الخليفة الحكم ابن الناصر، وصاحب السكة عامر والحاجب جعفر المصحفي
فسبحان من يدبر الأمر وهكذا حال الدنيا , فظلّ فى تلك المحنة حتى نكبه محمد بن أبى عامر وسجنه فى سجن المُطبّق فى الزهراء حتى مات فى سجنه , وكان جعفر المصحفى يستعطف الحاجب محمد بن أبى عامر ويرسل له أبياتا :
هبني أســـأت فأيـن العفـو والكرم *** إذ قادنـي نحـوك الإذعـان والنـدمُ
يـا خـير مـن مـدت الأيـدي إليـه *** أمـا ترثي لشيــخٍ رمـاهُ عندك القلـمُ
بالغت في السخط فاصفح مقتدر *** إن الملوك إذا ما استرحموا رحموا
فما زاده ذلك إلا حنقا وحقدا, فكتب اليه :
الآن يـــا جـــاهلا زلـــت بـــك القـــدم *** تـبـغي التـكــرم لمــا فـاتــك الكـــرمُ
أغـــريـت بــي مـلكـا لـــولا تـثـبــته *** مــا جـــاز لـي عنــده نـــطق ولا كلـــمُ
فايأس من العيش إذ قد صرت في طبق *** إن الملوك إذا مـا استنقموا نقموا
نفــسي إذا سـخطــت لـيست براضيـــة *** ولـو تشفـع فيــك العـــرب والعـجمُ
وحين جاء الأمر بسجن الحاجب جعفر المصحفىّ , ودّع أهله وابنائه , ومن عجيب ما قاله جعفر المصحفى فى هذا الأمر أنه كان ينتظر هذا منذ 40 أربعين سنة , وذلك لأنه سجن أحد الناس ظلما فى سجن المُطبّق بالزهراء فقام السجين وتضرع الى رب العالمين ودعا وقال فيما معناه : اللهم عليك بكل من ساعد فى سجنى ظلما وأهلكه فى غيابات السجون …
سبحن الله … هذا يوم إجابة الدعاء وبالفعل سُجن جعفر المصحفى فى سجن المُطبّق بالزهراء ومات فيه ….
وكان المؤرخون يشبّهون نكبة المصحفيين – آل جعفر المصحفى – بنكبة البرامكة فى المشرق أيام هارون الرشيد – رحمه الله – , وهكذا بدأت شمس محمد بن أبى عامر تسطع على الأندلس , وبدأ عهد جديد فى الأندلس , عهدٌ ما رأت الأندلس مثله ولا حتى أيام عبد الرحمن الناصر – رحمه الله – ,
إنه عهد الحاجب المنصور …..
عهد الحاجب المنصور :-
تحجب محمد بن أبى عامر لهشام المؤيد بالله , وحجره فى قصره بالزهراء ومنع دخول الناس اليه وتصرف بالملك بنفسه واتخذ جميع مراسم الملك , ونقش اسمه على السكة , وخطب له على المنابر , تلقب “بالمنصور” وأصبح يدعى ( الحاجب المنصور ) , وابتدأ معه عهد جديد للأندلس ما عرفت مثله من قبل .
كانت من أول أعمال المنصور أنه نكب الصقالبة وأخرجهم من الزهراء بعدما فشى ظلمهم وتوحدت كلمتهم بعد موت الحكم المستنصر – رحمه الله – وظنوا أن لا غالب لهم , فاستبدل المنصور بهم البربر من أهل العدوة من زناتة وبنى برزال وغيرهم واستكثر منهم جدا وأصبحوا هم أهل خدمته وزينة ملكه .
والحديث عن المنصور بن أبى عامر مرتبط بالضرورة بالحديث عن جهاده وغزواته ضد الممالك النصرانية فى الشمال , وسنفصل هذا لاحقاً إن شاء الله …
وأما عنه هيبته وحزمه :-
كان رحمه الله حازما شديد الهيبة , ماسمعنا أن أحدا من ملوك الإسلام قديما وحديثا من هو بمثل هيبته إلا ماكان من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رحمه الله ورضى عنه , وفى ذلك يقول ابن سماك العاملى فى كتابه “الزهرات المنثورة فى نكت الأخبار المأثورة ” :
( انتهت هيبة المنصور بن أبى عامر وضبطه للجند واستخدام ذكور الرجال وقوّام الملك الى غاية لم يؤتها ملكٌ قبله !! , فكانت مواقفهم فى الميدان على احتفاله مثلا فى الزماته والإطراق , حتى أن الخيل لتتمثل إطراق فرسانها , فلا تكثر الصهيل والحمحمة …. !!!! )
وكان لربما يتساهل فى أى أمر من الأمور إلا التساهل فى أمر من أمور الدولة وما يتعلق بهيبة الدولة , وقد وصلت هيبته الى ملوك النصارى فى الشمال فكانوا يهتزون ويرتجفون فرقا ورعبا من ذكر اسمه وكاد الواحد منهم أن يهذى كالسكران اذا علم بقدوم المنصور بن أبى عامر اليه بجيش المسلمين لغزوه … !!
أى رجل كان !! رحمه الله …..
أما عن دينه وورعه :-
فقد كان رحمه الله شديد التدين , قمع أهل البدع وأقام السنة , وبلغه أن مكتبة الحكم المستنصر – رحمه الله – بها كتب بعض الفلاسفة والملاحدة التى تنافى أصول الدين , وعلم بانتشار تلك الكتب وكادت أن تفسد عقائد الناس فقام بحرقها والتخلص منها ولله الحمد والمنة , وفى هذا يقول ابن عذارى فى كتابه (البيان المغرب .. ) :
( وكان المنصور أشدّ الناس فى التغير على من عَلِمَ عنده شيىء من الفلسفة والجدل فى الاعتقاد والتكلم فى شيىء من قضايا النجوم وأدلتها , والاستخفاف بشىء من أمور الشريعة , وأحرق ما كان فى خزائن الحَكَم من كتب الدّهريّة والفلاسفة بمحضر كبار العلماء , منهم الأصيلىّ وابن ذكوان والزبيدىّ وغيرهم , واستولى على حرق جميعها بيده … ) انتهى كلام ابن عذارى.
وكان شديد التعظيم للعلماء بدرجة كبيرة جدا , فقد ذكر النباهى فى كتابه “المرقبة العليا” فى ذكره لترجمة العالم الجليل محمد بن يبقى بن زرب حين وفاة الإمام :
( وأظهر ابن أبى عامر لموته غمّاً شديداً , وكتب لورثته كتاب حفظ ورعاية انتفعوا به , واستدعى ابنه محمد , وهو طفلٌ ابن ثلاثة أعوام , فوصله بثلاثة آلاف دينار , وألطافٍ قيمتها ما يناهز العدد المسمّى …..
وليس ذلك من أفعال المنصور ببدع , فقد كان فى حسن معاملته للناس والوفاء لهم بمنزلةٍ لا يقوم بوصفها كتابٌ , حتى يُقال إنه لا يأتى الزمان بمثله فى فضله , ولا طفرت الأيدى بشكله … ) انتهى كلام النباهى
الله أكبر , أرأيتم كيف يكون معاملة الحاكم والأمير للعلماء , فلا ينكرون فضلهم ولا يستغنون عن مشورتهم بل ويمتثلون أمرهم , وبهذا يكون النصر والتمكين ….
وايضا فيما ورد عن دينه وتواضعه ما ذكره ايضا النباهى فى كتابه “المرقبة العليا” فى ترجمة الإمام محمد بن يبقى بن زرب عند صلاة الاستسقاء فى قرطبة , وأخبر أنه صلى 10 مرات صلاة الاستسقاء فحضر معه مرة المنصور بن أبى عامر فكان من أمره ما ذكره النباهى فى كتابه :
( حضر معهم المنصور محمد بن أبى عامر استسقاءاً واحداً , ولبوسه ثيابٌ بيضٌ وعلى رأسه أُقرُفُ وشْىٍ أغبر , على شكل أهل المصايب بالأندلس قديماً , قد أبدى الخشوع , وهو باكٍ ودموعه تسيل على لحيته : فتقدم الى جناح المحراب عن يمين الإمام , وقد كان فُرش له هنالك حصيرٌ ليُصلّى عليه , فدفعه برجله وأمر بنزعه وجلس على الأرض , وشهد الاستسقاء !!! ) انتهى كلام النباهى
الله أكبر , هذه والله هى العزة والكرامة , فإذا خشع الحاكم والأمير استجلب معه رحمات الله , كما قال الإمام المنذر بن سعيد حين أخبروه بأن الخليفة عبد الرحمن الناصر يبكى بكاء مريرا من الخشوع والخشية ويبتهل الى الله بنزول المطر , فقال المنذر بن سعيد – رحمه الله – : أبشروا .. اذا خشع جبار الأرض رحم جبار السماء !!

جامع قرطبة فى اسبانيا , وقد بنيت بداخله كاتدرائية للنصارى وتحول الباقى الى متحف !!
وقد أخبر ابن حيان فى كتابه عن المنصور بن أبى عامر :
( وكان متسماً بصحه باطنه , واعترافه بذنبه , وخوفه من ربه , وكثرة جهاده ,واذا ذُكّر بالله ذكر , واذا خُوّف من عقابه ازدجر … )
وقال ابن خلدون مخبرا عن المنصور بن أبى عامر :
( أرخص للجند فى العطاء وأعلى مراتب العلماء وقمع أهل البدع , وكان ذا عقل ورأى وشجاعة وبصر بالحروب ودين متين .. )
هكذا كان حكامنا وعلاقتهم مع الله , وما ارتبط اسم أحد من عظماء المسلمين بالعزة والمجد إلا ووجدته له حال عجيب مع الله سبحانه وتعالى , وهذا من سنن الله فى الكون , من استمسك بالله وجبت له العزة والتمكين .
بل أن المنصور – رحمه الله – اختط بيده مصحفاً كان يحمله معه فى غزواته ويقرأ فيه ويتبرك به !!! , وكان يحمل معه أكفانه وكان أمنيته التى يدعوا الله بها دائما أن يتوفاه الله وهو فى طريقه للغزو والجهاد !! , والحديث عن جهاد المنصور يطول جدا لذا قمت بإختصاره كما سيأتى إن شاء الله …
وكان المنصور بن أبى عامر على مذهب الإمام مالك على عادة أهل الأندلس وقتها وقد أمر المنصور الفقيه المشهور أبو مروان القرشى المعيْطى والفقيه أبو عمر أحمد بن عبد الملك المعروف بابن المكوى أن يجمعوا كتابا فيه أقاويل الإمام مالك بن أنس – رضى الله عنه – وروايات أصحابه عنه لينتفع به علماء المسلمين !!
وذكر ابن سماك العاملى فى كتابه “الزهرات المنثورة” , وذكرها ابن الآبار فى “إعتاب الكتاب” وغيرهما , قال خلف بن حسين بن حيان , وهو والد أبى مروان ابن حيان صاحب كتاب “نفح الطيب” وكان أبوه من كتاب المنصور بن أبى عامر , فأخبر عن نفسه وقال :
( بكّتنى المنصور محمد بن أبى عامر يوماً على ما أنكره منى تبكيتاً بعث من فزعى ما اضطربت منه , فلما أخلى مجلسه قال لى :
رأيت من فزعك وشدة روعك ما استنكرته منك , ومن وثق بالله برىء من الحول والقوة لله , وإنما أنا آلة من آلات الله تعالى , أتصرف بمشيئته وأسطو بقدرته وأعفو عن إذنه , ولا أملك لنفسى إلا ما أملك من نفسى لسواى , فطأمن جأشك وأزل عنك روعك , فإنما أنا ابن امرأة من تميم طالما تقوتت بثمن غزلها , أغدو به الى السوق وأنا أفرح الناس بمكانه , ثم جاء من أمر الله ما تراه , ثم قال : يابن حيان , إن أفضل الناس غراسا من غرس الخير , وإن أفضل السلطان غراسا ما أثمر فى الآخرة , ومن أنا عند الله تعالى لولا عطفى على المستضعف المظلوم وقصمى للجبار الغشوم اللاهى عن حقوق ربه بفسوقه ودنسه ..
هكذا كان تواضعه واعترافه بفضل ربه عليه … !!!
أما عن عدله فى الرعية :-
كان رحمه الله عادلاً يكره الظلم والبغى , وكان لا يستهين بأمر الظالم , بل لربما أمر بتغليظ العقوبة عليه ليرتدع أهل الشرور وكان لا يقبل شفاعة أحد أبداً ولو كان من المقربين اليه , بل وإن كان من أهله … !!
ومن أروع الأمثلة التى ضربها المنصور بن أبى عامر فى العدل وعدم الرفق بأهل الغدر والظلم , ما حدث مع ابنه عبد الله بن المنصور بن أبى عامر حين لجأ الى ملك ليون وأراد أن يساعده فى الخروج على أبيه وشق عصا الطاعة وعزل أبيه , فكان ماكان من المنصور إلا أن أمر ملك ليون بتسليم ابنه , فسلمه ابنه عبد الله , وقام بضرب عنقه جزاء خيانته , ولم تأخذه به رأفة ولا رحمة !!!!
وله بذلك القصص المشهورة والأحاديث المنثورة التى سارت بها الركبان وتسامر بها الرجال فى مجالسهم , ومنها ما ذكره ابن حيان فى كتابه :
( وأما عن عدله أنه وقف عليه رجل من العامة بمجلسه , فنادى : ياناصر الحق , إن لى مظلمة عند ذلك الوصيف الذى على رأسك , وأشار الى الفتى صاحب الدرقة , وكان من المقربين الى المنصور بن أبى عامر , ثم قال : وقد دعوته الى الحاكم فلم يأتِ – لمكانته عند المنصور – , فقال له المنصور وقد اشتد غضبه :
أوَ عبد الرحمن بن فطيس – القاضى – بهذا العجز والمهانة !! , وكنا نظنّه أمضى من ذلك ؟ ثم وجه كلامه للقاضى وقال له :يا عبد الرحمن , أعجزت أن تأخذ العدل , أوَ كنت مهانا فلم تصل اليه !! , ثم قال للمظلوم : اذكر مظلمتك ياهذا , فذكر الرجل معاملة كانت جارية بينهما فقطعها من غير نَصَفٍ , فقال المنصور :
ما أعظم بليتنا بهذه الحاشية , ثن نظر الى الصقلبىّ وقد ذُهل عقله – أى الفتى – فقال له : ادفع الدرقة الى فلان , وانزل صاغرا – ذليلا – وساو خصمك فى مقامه حتى يرفعك الحق او يضعك !!
ففعل ومثل بين يديه , ثم قال لصاحب شرطته الخاص به : خذ بيد هذا الفاسق الظالم وقدمه مع خصمه الى صاحب المظالم لينفذ عليه حكمه بأغلظ ما يوجبه الحق من سجن أو غيره ..
ففعل ذلك , وعاد الرجل اليه شاكراً , فقال له المنصور : قد انتصف أنت , اذهب لسبيلك , وبقى انتصافى أنا ممن تهاون بمنزلتى .. فتناول الصقلبىّ بأنواع من المذلة , وأبعده عن الخدمة … ) انتهى كلام ابن حيان

دينار ضرب عام 377 في عهد الحاجب المنصور
ومن ذلك أيضا ما رواه ابن حيان فى كتابه :
( ومن ذلك قصة فتاه الكبير المعروف “بالبورقى” – اسم الفتى – مع التاجر المغربى , فإنهما تنازعا فى خصومة توجهت فيها اليمين على الفتى المذكور , وهو يومئذ أكبر خدم المنصور , واليه أمر داره وحرمه , فدافع الحاكم وظن أن جاهه يمنع من إحلافه ..
فصرخ التاجر بالمنصور فى طريقه الى الجامع متظلما من الفتى , فوكل به فى الوقت من حمله الى الحاكم , فأنصفه منه , وسخط عليه المنصور , وقبض نعمته منه ونفاه .. ) انتهى كلام ابن حيان
ومواقف المنصور بن أبى عامر فى عدله كثيرة ولكن أكتفى بما ذكرته آنفا , حتى لا أطيل …
أما عن جهاده وغزواته :-
لا أجد كلمات أوصف بها حب المنصور بن أبى عامر للجهاد والغزو فى سبيل الله , يكفى أن تعلموا أن المنصور بن أبى عامر قاد جيوش المسلمين الى النصر والفتح فى زهاء 54 غزوة ومعركة , فلم يهزم فى واحدة منها قط !! , وكان يأمر غلمانه بتنظيف ثوبه وأخذ ما علق به من غبار المعارك والغزوات وأمر أن تدفن معه فى قبره لتكون شاهد له عند الله يوم القيامة بجهاده فى سبيله !!
ووصل بجيوشه الى أماكن لم يفتحها المسلمون من قبل من أيام طارق بن زياد وموسى بن نصير , وبلغت الأندلس فى عهده من العزة والمجد والتمكين الى درجة لم يبلغها حاكم قبله ولا بعده !!
وقال عنه الفتح بن خاقان فى كتابه (مطمح الأنفس ومسرح التأنس فى ملح أهل الأندلس) :
( إنه تمرّس ببلاد الشرك أعظم تمرّس , ومحا من طواغيتها كل تعجرف وتغطرس , وغادرهم صرعى البقاع , وتركهم أذل من وتدٍ بقاع , ووالى على بلادهم الوقائع , وسدّد الى أكبادهم سهام الفجائع , وأغصّ بالحِمام أرواحهم , ونغّص تلك الآلام بكورهم وروَاحهم … ) انتهى كلام الفتح بن خاقان
فقد كان رحمه الله أعجوبة دهره وأوحد زمانه , له فى كل عام غزوتان “الصوائف والشواتى” , كان يهتم جدا بالناحية العسكرية فى دولته حتى لكم أن تعلموا أن عدد الفرسان فى الجيش المرابط (الثابت) وصل الى 112.000 اثنى عشر ألف ومائة فارس من سائر الطبقات , جميعهم مدونون فى الديوان وتصرف لهم النفقات والأعطية والهبات , وبلغ عدد المشاة الى 26.000 ستة وعشرين ألف راجل , وتتضاعف تلك الأعداد فى الصوائف بسبب كثرة المتطوعين حتى أنها وصلت الى مائة ألف 100.000 من المشاة !!
جيوش المسلمين بقيادة الحاجب المنصور
حتى أنه من كثرة قوى الجيش النظامية أصدر مرسوما عام 388هـ بإعفاء الناس من إجبارهم على الغزو , اكتفاء بعدد الجيش المرابط , وقرأ الخطباء على الناس ذلك المرسوم وفيه : ” بأن من تطوع خيراً فهو خير , ومن خف اليه فمبرور ومأجور , ومن تثاقل فمعذور ” , فسُرّ لذلك الناس سرورا بالغاً .
وكانت له سُنّة فى غزواته وهى أن يحمل النصارى بأنفسهم الغنائم الى قرطبة إمعانا فى ذلهم وتدميرا لكيدهم . وكانت جميع الممالك النصرانية فى الشمال تدفع للمسلمين الجزية عن يدٍ وهم صاغرون …
دمّر المنصور بن أبى عامر جميع الممالك النصارانية المتواجدة فى شمال الأندلس تدميرا بالغاً , كانت غزواته فى الممالك النصرانية كالصاعقة والعاصفة المدمرة التى لا تبقى ولا تذر , فكم من قلوع وحصون للنصارى سواها بالتراب , وكم من ملوك وقواد للنصارى هلكوا على يد المنصور بن أبى عامر !!
فكان رحمه الله هو الذى ثأر لهزيمة المسلمين أيام الخليفة عبد الرحمن الناصر – رحمه الله – فى معركة الخندق أمام قلعة سمّورة المنيعة جدا , ففى اثناء حكمالحاجب المنصور ثارت القوط وتحركت وقامت بأعمال تخريبية فى مدن المسلمين وقتلوا من المسلمين خلقا كثيرا وكان يمتنعون من المسلمين دوما فى قلعة سمّورة الحصينة والتى هى أمنع حصون النصارى فى الشمال , فقام المنصور عام 371هـ بحملة عسكرية كالصاعقة على القوط فى تلك القلعة واستطاع ان يدمرها ويقتحمها وفتك بحاميتها من النصارى , فهرب أهلها الى قلعة قريبة تسمى “سانت مانس” فدخل عليهم المنصور ودمرها فأصبح الطريق الى مدينة ليون العاصمة مفتوحا وسائغا , ولكنه لم يدخل ليون هذا العام لشدة البرد وقتها وتساقط الثلوج فى تلك المناطق .
وفى عام 373هـ قام المنصور بغزوة “ليون الكبرى” حيث قاد الحاجب المنصور الجيوش ووصل الى مدينة ليون عاصمة اقليم جيليقية وحاصرها حصاراً شديدا , فجاء اليها المدد من كل مكان لأهميتها وقدسيتها للنصارى , فوصل مدد من إفرنسة “فرنسا” بشكل خاص ولكنه استطاع فى النهاية ان ينزل الهزيمة على الفرنجة والنصارى ودخل عاصمتهم وخرب قلاعها وحصونها وساق منها 3 آلاف أسير وأمر أن يرفع الآذان فى جنبات ليون لأول مرة بعد أن سقطت لأول مرة منذ الفتح الإسلامى الأول ….

الأندلس فى عهد الحاجب المنصور
وفى عام 374هـ أعاد فتح برشلونه فى أقصى شمال الأندلس وهزم الفرنسيين شر هزيمة وضمها مرة أخرى للمسلمين , بعد ان سقطت فى أيدى الفرنجة من الفرنسيين بعد فتحها على يد طارق بن زياد وموسى بن نصير أيام الفتح الأول.
ولم تقتصر منطقة نفوذ الحاجب المنصور على الأندلس فقط , بل سيطر على شمال المغرب سيطرة تامة وخضعت لسلطانه , بعد أن ثار البربر من أهل العدوة على الحسن بن كنّون نائب الخليفة الفاطمىّ العبيدىّ على المغرب واستطاع هذا الرجل ان يجمع حوله الأنصار من البربر وثارت القلاقل والفتن فى المغرب , فلم ينتظرالحاجب المنصور أن تكبر الفتنة , بل أرسل ابن عمه عمرو بن عبد الله على رأس جيش لمحاربة الحكم الفاطمى العبيدى الشيعى وإخراجهم من المغرب , ثم أرسل جيشا آخر بعد ذلك بقيادة ابنه عبد الملك الظفر بن المنصور بن أبى عامر ودخل فاس , واستقر أمر المغرب للمنصور , فبلغت الأندلس فى عهده أقصى اتساع لها !!
وفى عام 379هـ ثار عبد الله بن المنصور على أبيه الحاجب المنصور إذ كان يحكم مدينة “سانت استيفان” ولجأ الى بلاد البشكنش – اقليم الباسك حالياً – فطلبالمنصور من “غرسيه” حاكم البشكنش بتسليم ابنه فرفض “غرسيه” فقام المنصور بحملة عسكرية قوية على بلاد البشكنش ودام القتال أياما وكان قتالا مروعا حتى أنزل الله النصر على المسلمين وأيدهم بجنود من عنده وجعل كلمة الذين كفروا السفلى , وهُزم البشكنش مما اضطر غرسيه الى قبول الصلح وتسليم عبد الله بن المنصور الى أبيه ومعه كل من ساعده من المسلمين , فقام المنصور بضرب أعناقهم جميعا بما فيهم ابنه عبد الله !!

غزوات المنصور – الأسهم السوداء
ومن أهم وأعظم معارك المنصور على الإطلاق والتى هى بمثابة غرة المعارك الإسلامية فى جزيرة الأندلس , هى معركة “شنت ياقب” – سانت يعقوب – حيث وصل الى أقصى بلاد جيليقية الى حيث لم يصل مسلم من قبل , ومدينة – سانت يعقوب – تمثل العاصمة الروحية الدينية لنصارى أوربا قاطبة , وكعبة النصرانية وتأتى أهيمتها بعد بيت المقدس ورومية – روما – عندهم , فبها قبر يعقوب الحوارىّ ويزعمون أنه كان من أخص حوارىّ عيسى – عليه الصلاة والسلام – وكان قبره بمثابة الكعبة عندهم – وللكعبة المثل الأعلى – ويفدون اليه من رومية وشرق أوربا ومن كل مكان .

كنيسة شنت ياقب – sandiago – فى أقصى شمال غرب أسبانيا
وقد قاموا ببناء كنيسة ضخمة جدا على هذا القبر وكانوا يحجون اليه من كل مكان كما ذكرنا . وكانت تلك البلاد هى أمنع بلاد النصارى فى الأندلس لوعورة طرقها وخطورة مفاوزها وصعوبة اجتيازها بالجند . ولم يفكر أحد من قادة المسلمين من أيام طارق بن زياد أن يقصد تلك المنطقة الجبلية الوعرة .
فقصد المنصور بن أبى عامر تلك البلاد لسببين رئيسيين ذكرهما د. محمد عبد الله عنان فى كتابه (دولة الإسلام فى الأندلس ) وهما :
1- أنها كانت ملاذا وملجأ لملوك ليون , يمتنعون بها كلما أرهقتهم الغزوات الاسلامية بقيادة المنصور
2- أنها كانت كعبة اسبانيا النصرانية ومزارها المقدس ورمز زعامتها الروحية , وقد شاء المنصور أن يضرب أسبانيا النصرانية فى صميم معقلها القاصى , وفى صميم زعامتها الروحية ..
خرج المنصور بن أبى عامر على رأس جيش ضخم فى يوم 23 الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة 387هـ ( 3 يوليه 997م ) وكانت هذه هى الغزوة الثامنة والأربعين للمنصور , وفى نفس الوقت تحرك الاسطول الاسلامى الذى أعده المنصور لهذه الغزوة العظيمة من مرساه أمام قصر أبى دانس على الساحل الغربى للأندلس فى بلاد البرتقال – البرتغال الآن – وتحرك شمالا فى محاذاة الشاطىء البرتغالى وهو يحمل أقوات الجنود والذخيرة وكل ما يحتاجونه من مؤن ..
وكانت الخطة التى وضعها المنصور بن أبى عامر محكمة للغاية , فجعل يمشى بجنده على اليابسة شمالا باتجاه الغرب على أن يوافيه الاسطول الاسلامى عند نهر دويرة , وكانت مسيرة المنصور بن أبى عامر فى غاية المشقة لكثرة السلاسل الجبلية وكثرة الأنهار ووعورة الطرق , حتى أنه فى أثناء مسيره عرض له جبل ضخم شامخ شديد الوعورة لا مسلك فيه ولا طريق , ولم يهتدى الأدلاّء الى سواه , فجعل المنصور يقدّم الفَعَلة – الحرفيين – ويمدهم بالحديد والفوؤس لتوسعة الشعاب وتسهيل وتعبيد المسالك والمفاوز !!
الى هذا الحد كان المنصور حريصا على غزو النصارى ولم يفت في عضده او يوهن كيده صعوبة الطريق ووعورته !!
وبالفعل استطاع المنصور بن أبى عامر أن يفتح المسالك والشعاب واخترق الأراضى الوعرة وهو فى أثناء ذلك يقتحم حصون النصارى ويأسر منهم أعداد كبيرة فى طريقه , وما ان يسمع أهل قرية بقدوم المنصور حتى يهربوا منها وتفرّ حاميتها الى قرى مجاورة , فغنم أمولاً عظيمة وأسلحة كثيرة ولله الحمد والمنة …
وعند وصول المنصور الى نهر دويرة وافاه الاسطول الاسلامى , فجعل منه المنصور بن أبى عامر جسرا لعبور قواته الى الجانب الآخر وهكذا , واتجه الجيش الاسلامى صوب جيليقة مخترقا الشعاب والسهول والوديان والجبال والأنهار وهو فى مسيره لا يكف عن الجهاد والقتال فيحطم القلاع والحصون ويهدم المدن والقرى ….
حتى وصل الى مشارف مدينة (شنت ياقوب) – سانت يعقوب – يوم الأربعاء الموافق 2 الثانى من شعبان عام 387هـ ( 11 اغسطس 997م) , فدخلها المنصور بجنده وقد فرّ منها أهلها وحاميتها , فأمر المنصور بهدم القلاع والحصون وخرّب المدينة ودمّر الكنيسة العظيمة التى بنوها فوق قبر الحوارىّ المزعوم عندهم , فسواها بالتراب , ولكنه أمر بحماية القبر وصونه وعدم مساسه بأى اذى !! – احتراما لتعاليم الاسلام …
وأخذ المسلمون أبواب المدينة والكنيسة ونواقيس الكنيسة العظمى وحملها الأسرى النصارى على كواهلهم حتى قرطبة، واستخدمت في توسيع الجامع وعلقت به النواقيس رؤوسًا للثريات الكبرى وأصبحت الكنيسة العظمة للنصارى أثرا بعد عين !!
ووجد المنصور رجلاً شيخا كبيرا من النصارى جالس بجوار القبر فسأله عن شأنه , فقال : أونس يعقوب !! , فأمر المنصور بالكفّ عنه .

قبر يعقوب الحوارىّ المزعوم لدى النصارى بداخل الكنيسة
وترك المنصور بن أبى عامر المدينة كأن لم تغن بالأمس , واهتزت النصرانية من أقصاها الى أقصاها , ونزل الخبر على نصارى العالم كالصاعقة فمنذ الفتح الأول للمسلمين للأندلس لم ينهزموا مثل هذه الهزيمة ولم يلحقهم مثل هذا الذل والصغار !!
وأرسل المنصور كتاب الفتح والنصر الى قرطبة , ففرح المسلمون بهذا النصر جدا ولهجت العامة بالدعاء لمنصور , وظل المنصور فى جهاده مع النصارى فى الأندلس طوال 27 عاما غزا فيها أكثر من 54 غزوة !!
والحديث عن غزوات المنصور بن أبى عامر حديث جليل وعظيم جدا , لكن أكتفى بما ذكرته آنفاً.
أما عن حبه للأدب والعلوم :
كان المنصور بن أبى عامر يعشق الأدب والشعر بل وينظم شعراً , فمن شعره يفتخر :-
ألم ترنى بعتُ الإقـامـةَ بالسُّرى *** ولين الحشايـا بالخــيول الضـوامرِ؟
تبدَّلْتُ بعد الزعفــرانِ وطِـيبِه *** صدا الدّرع من مستحكمات المسـامرِ
أرونى فتىً يحمى حماىَ ومـوقفى *** إذا اشتـجر الأقـرانُ بين العساكرِ
أنا الحـاجب المنصور من آل عامرٍ *** بسيفى أقُدُّ الهـام تحت المغـافرِ
تــلادُ أمـير المـؤمنين وعَبـــدُهُ *** وناصــحه المشـهودُ يــومَ المفـــاخرِ
فــلا تحسـبوا أنــى شُـغلت بغــيركم *** ولكـــن أطـعتُ الله فى كــل كـافرِ
ومن شعره أيضاً , يفتخر :
رميت بنفسى هول كل عظيمةٍ *** وخاطرتُ والحر الكريمُ يخاطرُ
ومـا صاحبى إلا جنـان مشيعٌ *** وأسمر خطى وأبيـض بـاترُ
ومن شيمى أنى على كل طـالبٍ *** أجـودُ بمالٍ لا تقيه المعـاذرُ
وإنى لزجاء الجيـوش الى الوغى *** أسـود تلاقيها أسـود خوادرُ
فسُدتُ بنفسى أهل كل سيادة *** وفاخرت حتى لم أجد من أفاخرُ
ومـا شِدتُ بنياناً ولكن زيادة *** على ما بنى عبد المليك وعـامرُ
ورفعنا المعـالى بالعوالى حـديثَهُ *** وأورثناها فى القـديم معـافرُ
وله أيضا يتوعد صاحب الدولة الفاطمية العبيدية الخبيثة ويمنى نفسه فى القضاء عليه وحكم مصر والحجاز :
منع العين أن تذوق المناما *** حُبها أن ترى الصفا والمقاما
لى ديون بالشرق عند أناسٍ *** قد أحلوا بالمشعرين الحراما
إن قضوها نالوا الأمـانى وإلا *** جعلـوا دونهـا رقـاباً وهـاما
عـن قـريبٍ تـرى خـيول هشـام *** يبلغ النيلَ خطوُها والشآما
وكانت دولة المنصور وحكومته تضم عددا من الوزراء والكتاب والشعراء الأفذاذ أمثال : أبو العلاء صاعد اللغوى وكذلك أبو مروان عبد الملك بن شهيد وأحمد بن سعيد ابن حزم والد الفيلسوف والعالم الشهير ابن حزم وآخرون ممن هم مشهود لهم بالفضل والعلم وواسع المعرفة .
وكان يوسع النفقة على الأدباء والشعراء وكان المنصور له مجلس أسبوعى يعقده للبحث والمناظرة ويشهده كثير من العلماء والأدباء , كما اهتم جدا بإنشاء دور العلم فى الأندلس وفى قرطبة وبالغ فى الإنفاق عليها وكان يزور المساجد والمدارس بنفسه وكان يجالس الطلاب أحيانا !!
وإهتمام المنصور بن أبى عامر بالأدب شيىء معروف ومشهور وأكتفى بما ذكرته آنفا ..

مسجد قرطبة
مناقب المنصور بن أبى عامر :
اهتم المنصور بن أبى عامر بالأوجه الحضارية كذلك فابتنى مدينة “الزاهرة” على غرار “الزهراء” ونقل اليها كل دوواين الحكم وجعلها عاصمة لملكه وفرغ من بناءها عام 370هـ وكانت آية فى البناء الجمال وجلب اليها المنصور بن أبى عامر غلمانه وحاشيته ووزراءه , ففرغت “الزهراء” منهم وملئت الزاهرة وكثر فيها الأسواق والقصور وامتازت بحسن حدائقها وجمال عمرانها واعتدال هواءها وفيها يقول صاعد اللغوىّ :
يا أيهـا الملكُ المنصـورُ من يمنٍ *** والمُبتنى نسبـاً غـير الذى انتسبا
بغزوة فى قلـوب الشـرك رائعة *** بين المنـايا تُناغى السُّمر والقُضُبَا
أما ترى العين تجرى فوق مرْمَرِها *** هوىً فتجرى على أخفاقها الطربا
أجريتها فطـما الـزاهى بَجرْيتها *** كمـا طمــوتَ فَسـُدْتَ العُـجْمَ والـعَرَبَا
تخــالُ فـيه جـنـودَ المــاءِ رافلــةً *** مستلئمـات تُـريـك الــدرع والـيَلَبـَا
تَـحِفـُّهـا مـن فنــونِ الأيْكِ زاهـرةً *** قــد أوْرَقـَتْ فضـة إذْ أَوْرَقَـت ذَهَـبا
بديعـــة المـلك مـا ينفكُّ نـاظـرها *** يتلـو على السمـعِ منها آيــة عَـجَبَا
ولا يُحْســن الــدَّهْرُ أن يُـنشي لـها مَثَلا *** ولـو تعنّت فـيها نفســه طَلَبـَـا
وأصحبت الزاهرة هى حاضرة الأندلس ونافست قرطبة فى جمالها وروعة بنيانها واتسعت وزادت مساحتها حتى اتصلت أرباضها بأرباض قرطبة , وبنى المنصور بمنطقة فيها مجموعة من قصوره وسماها (مُنية العامرية) وكانت بها أروع قصور المنصور وأحظى بيوته , دخل عليه يوما ابن أبى الحُباب فى بعض قصوره بمنية العامرية والورد قد تفتحت أوراقه وزاد جمال القصر وبهجته والشمس ساطعة تعكس أنوارها المياه الجارية بالقصر فكان المنظر بحق بديع , فقال فى ذلك :
لا يـوم كاليـوم فـى أيامــك الأُولِ *** بـالعامــرية ذات المـاء والظُـللِ
هـواؤها فى جميع الدهر معتدلٌ *** طيـبا وإن حــل فصلٌ غيـرُ معـتدلِ
ما إن يُبالى الذى يحتل ساحتها *** بالسعد أن لا تحلّ الشمسُ بالحملِ
كما أن المنصور بن أبى عامر جدد بناء قنطرة قرطبة التى تعد من عجائب الدنيا فى ذلك الزمن وأعاد بنائها سنة 378هـ واستغرق بناؤها سنة ونصف وأنفق لذلك مائة وأربعين ألف دينار !!!
وبنى كذلك قنطرة آستجة على نهر شنيل وكلفت كثير من الجهد والوقت لكنها سهلت الكثير على المسلمين , ولهجت العامة بالدعاء للمنصور بن أبى عامر – رحمه الله

قنطرة قرطبة فى أسبانيا التى جددها المنصور بن أبى عامر
ومن أعظم مناقبه كذلك وهى الزيادة والتوسعة التى وسعها فى جامع قرطبة العظيم الذى لم يبنى مثله فى الإسلام !! , فأضاف اليه مثل مساحته تقريبا , وكان يرسل أسرى النصارى للعمل فى البناء , وكان المنصور يشترك بنفسه أحيانا فى أعمال البناء , وكانت تلك هى أضخم وآخر التوسعات التى تمت لجامع قرطبة , فشرع فى البناء عام 387هـ واشترى المنصور البيوت والأملاك الواقعة ضمن منطقة التوسعة وحرص على إنصاف أصحابها , وتضاعف حجم الجامع جدا , وبلغ عدد سوارى المسجد ما بين كبيرة وصغيرة الى ألف وأربعمائة وسبعة عشرة 1417 سارية – عمود – , وبلغت كذلك عدد الثريات مابين كبيرة وصغيرة الى مائتان وثمانون 280 , وعدد الكؤوس سبعة آلاف وأربعمائة وخمس وعشرون كأسا 7425 , وكان يخدم الجامع من أئمة ومقرئين وأمناء ومؤذنين وسَدَنة ومُوقدين – يوقدوا الشموع والمصابيح للإنارة – وغيرهم أكثر من مائة وتسعة وخمسون 159 شخصاً , وفى رمضان يُوقد العود والطيب فى جميع أنحاء الجامع ……

مسجد قرطبة
ومن أهم مناقب المنصور هو عمله على إذلال الممالك النصرانية فى الشمال والعمل على تأديبهم المستمر حتى لا يفكروا إلا فى طلب ود وجوار المسلمين , ومن أجل ذلك أرسل ملك قشتالة “شانجة” ابنته جارية عند المنصور فى قرطبة لينال رضاه !!
وعندما جاء الى قرطبة بعد هزيمته مع المسلمين , وأثناء مروره بين صفوف العسكر والجند وأهل الخدمة انخلع قلبه من الرهبة والهيبة حتى ارتعدت فرائصه , ودخل مجلس المنصور فما إن وقعت عينه على المنصور بن أبى عامر حتى هوى على الأرض من فرط هيبيته وقبّل قدم المنصور ويده !!!
أى عزة هذه بالله عليكم !!!
اللهم أعد لنا عزتنا واكتب لنا النصر والتمكين !!
وللمنصور مناقب أخرى كثيرة ولو أخذت بحصرها ما انتهيت منها وأكتفى بما ذكرته ….
قطوف من أخبار المنصور ومآثره :-
الراية المنسية :
كان كلما غزا المنصور غزوة أخذو جنوده الرايات فيثبتونها على الأماكن العالية ثم يأخذونها حين يرحلون , وفى أحد الغزوات نسى أحد الجنود راية على أعلى التبة بين الحصون والقلاع بعدما فر أهلها وهرب جنود النصارى بين الشعاب والجبال , ورحل المسلمين ونسوا تلك الراية , فظل النصارى يرمقون تلك الراية فى رعب شديد وهم يظنون أن المسلمين مازالوا هناك ,وظلوا على ذلك زمن حتى علموا برجوع المسلمين منذ زمن !!
هكذا كانت العزة ….. راية واحدة منسية أرعبت جنود النصارى وعاشوا من أجلها فى ذعر ورعب وهلع !!

توسعة وزيادة المنصور لجامع قرطبة باللون البنى فى يمين الصورة
هذا طليق الله على رغم أنف ابن ابى عامر :
عُرض على المنصور بن أبى عامر يوما اسم أحد خدّامه ممن قد طال سجنه , وكان شديد الحقد عليه . فوقّع على اسمه أنه لا سبيل الى إطلاقه ابداً ويظل فى السجن الى أن يتوفاه الله , وعرف هذا الخادم ما وقّع عليه المنصور بن أبى عامر , فاغتم لذلك غما شديدا وأخذ يتوسل الى الله ويتضرع اليه , فجاء المنصور بن أبى عامر الأرق ولم يستطع النوم من أجل ذلك , وكان كلما حاول النوم آتاه رجل كريه الوجه عنيف الكلام يأمره أن بإطلاق الرجل ويتوعده , وظل المنصور على ذلك زمن لا يستطيع أن ينام بسبب ما يأته فى منامه , حتى علم المنصور أن هذا نذير من ربه فأخذ رقعة ودعا بالدواة فى مرقده وعلى فراشه فكتب : هذا طليق الله على رغم أنف ابن أبى عامر ..!!!
وظل الناس يتحدثون بهذا زمانا ….
الأسيرة :
أرسل المنصور يوما رسولا الى بلاد البشكنش “اقليم الباسك حاليا” فى وقت السلم والمعاهدة , وكان من شروط المعاهدة أن لا يبقى أسير مسلم فى بلاد النصارى , عندما وفد هذا الرسول الى تلك البلاد استقبله ملكها أحسن استقبال وأكرمه وأحسن ضيافته , وسمح له أن يتجول فى بلده كما يحب , فدخل أحد أكبر كنائسهم وإذا هو بالداخل إذ وجد امرأة قد أقبلت عليه وقالت له : أيرضى المنصور أن ينسى بتنعمه بؤسها !! , وأخبرته أنها أسيرة فى تلك الكنيسه ومعها امرأتين من المسلمين كذلك ومضى لهن سنين طويلة فى تلك الكنيسة , واستحلفته أن يخبر المنصور بشأنها ..
وعاد الرسول الى المنصور فى قرطبة يخبره بنتائج الزيارة وحكى له عن تجواله فى أراضى المملكة , فقال له المنصور : هل وقفت هناك على أمر أنكرته , أم لم تقف على غير ما ذكرته ؟ , فأخبره بقصة المرأة , فغضب المنصور وعاتبه ولامه وارتفع صوته على أنه لم يبدأ بها كلامه !!
فأصبح المنصور غازيا من فوره وجهز الجيوش ولم تطلع الشمس إلا والمنصور والمسلمين على ظهور خيولهم متوجهين الى بلاد البشكنش , لأن وجود تلك المرأة المسلمة الأسيرة مخالفة صريحة جدا لما اتفقوا عليه …
وأقسم المنصور أنه لا يرجع عن أرضه حتى يكتسحها – اى الكنيسة – وجن جنون الملك عندما علم بقدوم المنصور بن أبى عامر وأرسل له يخبره أنه لم ينقض عهدا ولم يشق عصا الطاعة أنه على طاعة المنصور والمسلمين ابدا , فاستقبل المنصور رسل “ابن شانجة” – ملك البشكنش – أسأ استقبال وعنفهم وأخبرهم : أنه عاقدنى على ألا يبقى ببلاده مأسورة أو مأسور , وقد بلغنى بعدُ بقاء فلانة المسلمة فى تلك الكنيسة وواله لا أنتهى عن أرضه حتى أكتسحها !!
فأرسل الملك يخبره أنه كان لا يدرى بوجود تلك الأسيرة وأن أحد قواده هو من قام بأسرها , ثم أرسل له الملك يسترضيه ويستعطفه حتى أنه أخبره : أنه قد بالغ فى هدم الكنيسة – اى سواها بالتراب – وهنا توقف المنصور وأخذ المرأة وجلس معها وطيب خاطرها وأرسلها الى أهلها فى قرطبة ومعها الأسيرتيْن ……
وكأنى بهؤلاء النسوة الثلاث كدن أن يهلكن من شدة الفخر والسعادة والإباء , عندما شعروا بأن جيش المسلمين كله قد خرج من أجلهن وفى سبيل نصرتهن !!!
أين أنت ايها الحاجب المنصور الآن …

جامع قرطبة وسط الثليج
لقد طابت لنا العيشة هنا :
ذكرها د/طارق السويدان فى كتابه “الأندلس التاريخ المصور”
فى إحدى غزوات المنصور لبلاد البشكنش دخل فيها فى أعماق بلادهم وتوغل فى أرضهم حتى صار وراء الجبال , فأخذ النصارى يسدون طريق العودة أمام المنصوروجيشه كمنوا له بين جبلين كان سيمر بينهما المنصور وجنوده , ومن أصعب أنواع القتال هو القتال فى ممر ضيق جدا , فماذا فعل المنصور !!
لم يقاتل ولم يقتحم الممر , بل اختار مدينة قريبة من ذلك المكان , فنزلها ووزع جنوده فى أرجائها , يعملون ويحرثون ويبيعون ويشترون ويقوم بكل متطلبات الحياة فيها , وبعث الحاجب المنصور الجند بالسرايا يمينا وشمالا يقتلون ويأسرون ويغنمون , حتى ضج القوط النصارى من غاراتهم , وأرسلوا اليه ان اعبر المضيق أنت وجنودك , إلا أنالمنصور رفض قائلاً : لقد طابت لنا المعيشة هنا وإن هذه البلاد جميلة يطيب سكناها وسأبقى الى السنة القادمة لأغزو فى الصيف القادم إن شاء الله !!
وكان جنده يأتون بقتلى النصارى منهم ومن القرى فى السرايا والغارات ويلقونها أمام الوادى حتى ضج سكان المنطقة الى الذين هم فى الوادى ان دعوه يعبر , فأرسلوا اليه ثانية بذلك الى الحاجب المنصور الذى قبل أن يمر عبر المضيق برجاله بشرطين :
1- أن يحمل النصارى ما معه من الغنائم والأسلاب على دوابهم أمامه !!
2- وان يقوموا هم بإزالة الجثث التى ألقاها على الطريق بفم الوادى

دينار من عام 390 وواصل عامر كتابه اسم الخليفة هشام واسمه الخاص على وجه, ولا الله الا الله على الوجه الاخر
الملك لا ينام اذا نامت الرعية :
كان المنصور بن أبى عامر كثير السهر جدا حتى أن أحد خدمه اسمه “شعلة” قال له فى ليلة : قد أفرط مولانا فى السهر , وبدنه يحتاج الى أكثر من هذا النوم , وهو أعلم بما يحركه عدم النوم من علّة العصب , فقال المنصور :
يا شعلة , الملك لا ينام اذا نامت الرعية , ولو استوفيت نومى لما كان فى دور – بيوت – هذا البلد العظيم عين نائمة ….
هكذا كان حرصه على دولة المسلمين واهتمامه بشؤونها !!
ومآثر المنصور لا تحصى ومناقبه وأخباره كثيرة ولكن حتى لا أطيل أكتفى بذكر ما سبق …
وفاة المنصور بن أبى عامر :-
أما آن هذا الجسد أن يستريح !!
حكم المنصور بن أبى عامر الأندلس زهاء 27 سنة , وغزا أكثر من 54 غزة لم يهزم فى واحدة قط !! , كانت كلها عز للإسلام والمسلمين حتى قال عنه ابن الخطيب فى كتابه “اعمال الاعلام ” :
( وعلى الجملة , فكان نسيج وحده فى صقعه , وقلّ أن يسمع بمثله فى غيره … )
انصرف المنصور بن ابى عامر الى الغزو عام 392هـ (1002م) فسلم وغنم كعادته وكان عمره وقتها ناهز 65 عاماً , ووجد فى نفسه خفة وعلم بدنو الأجل , فأحضر جماعة بين يديه وهو كالخيال لا يبين الكلام وأكثر كلامه بالإشارة كالمسلم المودع , وأوصى ألا يحمل فى تابوت , وأمر أن يدفن مكان موته وكان وقتها فى مدينة الثغر المنيع “مدينة سالم” فأمر أن يدفن رحمه الله فى صحن قصره بمدينة سالم وأمر أن يدفن معه غبار المعارك حتى تشهد له أمام الله بجهاده , وأمر أن يكفن بتلك الأكفات التى كان يحملها معه دائما فى المعارك وهى أكفان صنعت من غزل بناته واشتريت من خالص ماله الموروث …….
وفى ليلة الاثنين 27 رمضان من عام 392هـ / 11 أغسطس 1002م فاضت روح المنصور محمد بن أبى عامر الى بارئها ….
ونقشت على قبر المنصور محمد بن أبى عامر تلك الأبيات :
آثـــاره تنبيــك عــن أخبــاره **حتـى كأنـك بالعيـان تـراهُ
تالله لا يأتي الزمان بمثله **أبدًا ولا يحمي الثغور سواهُ
وظل قبر المنصور بن أبى عامر معروفا فى مدينة سالم حتى بعد أخذ النصارى تلك المدينة واحتلوها , وقد أوصى لسان الدين ابن الخطيب احد طلابه حين كان ذاهبا الى هناك لتأكيد عقد الصلح مع ملكها أن يزور قبر المنصور بن أبى عامر , وأخبره الطالب عند عودته أنه رأى قبر المنصور إلا أن رسومه من شعر منقوش وتاريخ مثبوت قد عفت ومحيت آثارها وكان هذا ما بين عامى 1361  1370م
وظلت سيرة المنصور بن أبى عامر مصدر عز وفخر ومجد للمسلمين حتى بعد هزيمتهم وأيام ملوك الطوائف , حتى أن مولى المستعين بالله ابن هود (دويلة بنى هود ) يقول :
لما توجهت الى ألفونسو وجدته فى مدينة سالم وقد نصب على قبر المنصور بن أبى عامر سريره , وامرأته متكئة الى جانبه , فقال لى : ياشجاع  اسم المولى  اما ترانى قد ملكت بلاد المسلمين وجلست على قبر مليكهم ؟ قال : فحملتنى الغيرة أن قلت له : لو تنفس صاحب هذا القبر وأنت عليه ما سمع منك ما يكره سماعه ! ولا استقر بك قرار … , فهمّ بى , فحالت امرأته بينى وبينه , وقالت : صدقك فيما قال , أيفخر مثلك بمثل هذا ؟
(تم بحمد الله ….. أسألكم الدعاء)
Beneficial Books

Knowledge precedes speech and action

Embody Islam

Islamic Knowledge for Everyone

محمد جميل حمامي

كتاباتي و مقالاتي

Abu Hakeem أبو حكيم بلال

Knowledge Based Benefits

Knowledge Point

“The virtue of knowledge lies in acting upon it…”

Islam Tees

Calling to the correct understanding of Islam, the Qur'an & Sunnah upon the understanding of the Salafus-Saalih

Knowledge Of Islaam

Hold Firm To The Quraan And The Sunnah with the Understanding of the Salaf al Saleh

Pearls Of Salafiyyah ♥

‎"As long as you are performing prayer, you are knocking at the door of Allah, and whoever is knocking at the door of Allah, Allah will open it for them." Ibn Qayyim Al Jawziyyah (Rahimahullaah) ♥

Abu Yousef‎

مدونة على ضوء الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة

Albaseerah.Org & StudyIslaam.Org

Albaseerah.Org & StudyIslaam.Org - Al-Quraan wa As-Sunnah Society of New York

SalafiEvents.com

Connecting you to the Sunnah!

The Albaani Site

Translation from the Works of the Reviver of this Century

التوحيد أولًا ياأهل السنة

Islam, Allah's Final Message to us إن الدين عند الله الإسلام